قبل سنوات طويلة شاهدت فيلماً معبراً يجمع بين الكوميدا والإجرام. كان الفيلم عن زعيم عصابة متقاعد يدعى جيمي لوكا اعتزل السطو وسرقة البنوك وعاش بقية حياته مرفهاً على حدود المكسيك..وذات يوم وبينما كان جالساً أمام التلفاز شاهد خبراً عن تأسيس فرع لأحد البنوك الجديدة في بلدته. ولم يكتف مدير البنك بالتبجح أمام الكاميرات بأنه «أكثر البنوك تحصينا في العالم» بل قال متهكما «يستحيل على أي عصابة اقتحامه حتى جيمي لوكا نفسه» .. عندها سقطت السيجارة من فم لوكا وأخذته العزة بالإثم وأقسم - من باب التحدي - على أن يسرق البنك بعصابة من العميان!! ولتنفيذ خطته بحث في كل أنحاء العالم عن مجرمين محترفين يعانون من العمى أو مشاكل خطيرة في الإبصار. وحين تجمعوا في بلدته بنى لهم أنموذجاً خشبياً مشابهاً للبنك يتضمن المداخل والمخارج، وأين يقف الحراس، وأين يجلس الناس، وأين توجد خزائن الأموال..ثم قسم الأدوار على العميان بحيث يعملون معا بدقة وتنسيق وينتهون من عملية السطو خلال ثلاث دقائق (لاأكثر) واعتمد لوكا في تدريبهم - وهو صاحب الخبرة - على الجمع بين «تكتكة الثواني» وعدد الخطوات التي يجب على كل فرد اتباعها لتنفيذ مهمته، ونظراً لتفاوت «سعة الخطوات» بين أفراد المجموعة تم الاتفاق على «خطوة نموذجية» باستعمال حبل يربط بين القدمين..وهكذا كان على أحد المجرمين أن يمشي أربع خطوات مستقيمة (بعد دخوله من باب البنك) ثم يتجه ثلاث خطوات إلى اليمين(بزاوية 35درجة) ثم يوجه مسدسه (بزاوية 45درجة)حتى يصيب الحارس في صدره. وفي نفس الوقت يمشي ثلاثة من أفراد العصابة تسع خطوات مستقيمة قبل أن يرفعوا مسدساتهم (بعد ثمان ثوان بالضبط) معلنين سرقة البنك. أما أكثر أفراد العصابة مهارة فكان عليه السير في اتجاهات معقدة لتعطيل جرس الإنذار وتدمير كاميرات المراقبة بطلقات مباشرة(.....)!! وبهذه الطريقة تمكنت عصابة العميان من سرقة البنك في عملية فريدة لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق (من باب التحدي لاأكثر)!! والآن ..صدق أو لاتصدق ان فكرة هذا الفيلم طبقت في الصين في حوادث سطو حقيقية، ففي الأسبوع الماضي فقط نجحت الشرطة في القبض على عصابة فريدة في مدينة فوتشو الصينية جميع أفرادها من (العميان والصم والبكم). وكانت هذه العصابة (التي تبلورت في أحد معاهد المعوقين الخاصة) قد نجحت طوال أربع سنوات في سرقة البيوت والمصارف ومحال الذهب والمجوهرات. وكانت تعتمد في سرقاتها على التنسيق المنظم والاتفاق المسبق واستعمال خطوات وإشارات خاصة. وبعكس الفيلم السابق كانت كل مجموعة تتكون من أصم وأبكم وأعمى بحيث يؤدي كل منهم دوراً يتناسب مع قدراته الخاصة..والطريف فعلا أن رئيس العصابة نفسه كان رجلا أعمى يسير دائما مع حارسي أمن أحدهما أصم، والثاني أبكم!!! على أي حال، الفيلم السابق كان بالنسبة لي أكثر من قصة كوميدية مضحكة، فقد شاهدته في سن صغيرة وتعلمت منه كيف يمكن كسر المستحيل بالتدريب المكثف والتخطيط المسبق..فالتدريب المكثف يعمل على تصفية الأخطاء المحتملة قبل أي عمل (فالعصابة السابقة استغرقت عامين لتلافي هفوات ثلاث دقائق). كما أن تنسيق جهود المجموعة - والسير حسب خطة مسبقة - أمر ضروري لتحقيق ميزتين يصعب جمعهما في انجاز واحد (هما السرعة والاتقان)... وهكذا يمكن القول أن الفيلم السابق - بصرف النظر عن طبيعته الإجرامية- كان بالنسبة لي درساً في كيفية كسر المستحيل وتنسيق الجهود وتجاوز احتمالات الفشل..وطالما نجحت عصابة من العميان والمعوقين من سرقة أكثر المواقع تحصينا، فكيف تعجز أنت عن تحقيق إنجازات أقل صعوبة ..وفي الغالب..وأكثر نبلاً!!