تمشط ليو تشن - لي رموشها الطويلة في الصباح الباكر وتثبت شعرها الطويل الأسود الفاحم قبل ان تنطلق لتبدأ يوماً للبكاء والعويل على الأقارب الراحلين لأشخاص آخرين. ليو (22 سنة) وفرقتها «بنات العائلات» المؤلفة من خمس نادبات يشكلن جزءاً من تجارة النادبات المزدهرة في تايوان - اي نادبات محترفات للبكاء والعويل وإثارة اجواء الحزن الشديد المطلوبة في الجنازات.ان هذا الأداء - او التمثيل - المعقد والطويل والمكلف هو دلالة على المكانة الاجتماعية للباقين على الأحياء بقدر ما هو بادرة احترام للموتى في هذه الجزيرة البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة على مسافة 90 ميلاً قبالة الساحل الصيني.وتتضمن الطقوس الجنائزية في تايوان عادة مواكب من العربات المزينة تستقلها شخصيات فولكلورية بأزياء ملونة وفرق من قارعي الطبول ونافخي الأبواق، بل، ونساء شبه عاريات يؤدين الأغاني الحزينة. وقد تصل تكاليف التقديمات الواسعة الى ثلاثين الف دولار. اما الترتيبات المختصرة - التي لا تضم مواكب وعربات فقد تبلغ تكاليفها ستة الاف دولار.ان الأقارب المفجوعين كثيراً ما يكونون غير قادرين على ذرف الدموع بكثرة ولذلك يستأجرون فرق النادبات المحترفات مثل فرقة «بنات العائلات» التي تديرها ليو لأداء طقوس الحداد والندب. وتتقاضى فرقة ليو 600 دولار مقابل نصف يوم من العمل في يوم حداد اعتيادي مؤخرا وصلت الفرقة الى مقر شركة لدفن الموتى قرب تايبه لتقديم عرض نموذجي للحزن في احتفال من المستوى الرخيص لا يضم سوى عربة محملة بالزهور ولكن دون موكب. وصعدت ليو الى منصة مقامة خارج المقر لترقص وتقف وتقرع على قصب الخيزران على ايقاع اغنية حزينة معروفة قبل ان تنطلق في ادائها الزاعق الذي يقطع نياط القلب ثم تركع وتخبط بيديها على الارض وتزحف على ركبتيها للإعراب عن الحزن لميت غريب. وبعد الانتهاء من الأغنية اخذت ليو تخلع بذلتها الملونة لترتدي فستاناً من الساتان الأبيض وتغطي رأسها بشرشف ابيض حسب ماهو مطلوب لأداء الطقوس الرئيسية.وعادت ليو الى المسرح على ايقاع عزف شقيقتها ليو وين - تشي على البيانو، لتسرد الحياة القاسية للراحل العزيز - في هذه الحالة امرأة ضحت بكل شيء من اجل تنشئة اطفالها تنشئة صالحة.وقالت ليو بأداء ايقاعي زاعقة في ميكروفون يدوي: «أماه.. من الآن وصاعداً سنسير في طريق مختلفة.. ننظر في كل مكان ولا نرى اثراً لك».وسرعان ما التقط ابنا الراحلة وابنتها الإيقاع وغنوا معها وهم يذرفون الدموع بحرارة.غير ان ليو هي التي اوجدت الأجواء الحزينة بفيض من المشاعر والأحساسيس، على مدى 40 دقيقة رقصت وغنت وعقت وأبكت معها الجمهور.وفي سيارة الفان التابعة للفرقة غيرت ليو ملابسها مرة اخرى مرتدية قميصاً زهرياً وسروال جينز وتحدثت عن صعوبة اداء دور النادبة لأشخاص غرباء تماما قائلة: «اتخيل انني جزء من العائلة وأدمج نفسي تماماً مع المناسبة». ولا تسعى ليو الى التعرف على كامل تفاصيل حياة الميت، فأداؤها يتوقف معظمه على نص حدادي موحد بمعظمه وهو عبارة عن سجع يعرب فيه افراد العائلة عن حزنهم. وقد بدا افراد الأجيال الشابة الصاعدة - وخاصة في المدن الكبيرة - يختارون طقوسا مختصرة اكثر. والحكومة تروج لفضائل استعمال شبكة الانترنت لنشر صور الموتى والتخلص من الطقوس الرسمية او تقصيرها معتبرة انها طقوس خرافية باذخة وباهظة التكاليف. الا ان التقاليد لا تزول بسرعة فيما يصر التايوانيون على اقامة المراسم التقليدية. شقيق ليو، وين تشي يقول ان فرقة «بنات العائلات» تستطيع ان تحقق ربحاً بإقامة مناسبة حداد واحدة في اليوم، الا انه يعرب عن الحسرة على الأيام الخوالي التي كانت فيها المواكب الجنائزية تجوب شوارع المدن المكتظة بالسكان «دون ان يتذمر احد من عرقلة المرور او الضجيج». ويضيف وين - تشي: «شباب اليوم لا يفهمون المعنى العميق للاحتفالات ولا يستأجرون فرق الندب الا بالإصرار من الأقارب الأكبر سناً».