فرض الرسوم على الأراضي البيضاء قرار حكيم، وفي وقته المناسب، لاسيما في أحوج ما يكون فيه المواطن للمسكن، الذي يتمتع فيه هو وأسرته بالراحة والاستقرار، داخل وطنٍ يعد قلباً للعالم الإسلامي بأسره، وَمِمَّا يميز هذا القرار هو ارتباطه بالمصالح المرسلة، التي اعتبرها العلماء حجة معتبرة، وبنوا عليها كثيراً من الأحكام، وذلك لأن مصالح الناس تتجدد ولا تتناهى، فَلَو لم تشرع الأحكام لم تتجدد مصالح الناس وعاش الناس في ضيق ونكد، بل من نظر إلى حال الصحابة رضوان الله عليهم، والأئمة المجتهدين من السلف السابقين، واستقرأ تشريعاتهم، وجد أنهم شرعوا أحكاماً كثيرة لتحقيق مطلق المصلحة، فالشرع جاء لتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليها، ولهذا شواهد شرعية كثيرة منها: أعمال الخضر عليه السلام التي اعترض عليه موسى عليه السلام، ثم بين لما له فيها المقصد والمصلحة، علم موسى صواب الخضر عليه السلام، وهي من باب المصالح المرسلة، بل كان الصحابة من أكثر الناس استعمالاً للمصلحة، فهي التي جعلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يجمع المصحف من صدور الرجال والجلود ويجعله في مصحف واحد، ونقل الإمام الشاطبي في كتابه الإعتصام وغيره من علماء الأصول والمقاصد، أن للأمام أن يعاقب بأخذ بعض المال؛ تقديراً للمصلحة المرسلة، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مشاطرة التجار أموالهم إذا تاجروا أثناء ولايتهم، وكذلك إراقته اللبن المغشوش بالماء، وغيرها من الشواهد، التي لم يرد فيها نص يشهد له، لكنها من الحكم على الخاصة لأجل مصلحة عامة المسلمين. وكذلك القاعدة العامة عندنا: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهي من باب المصالح المرسلة، وكذلك المنارات التي توضع على المساجد، وإن كانت لم تعرف في القديم، فهي من باب المصالح المرسلة، لإعلام الناس بأن هناك مكاناً يصلى فيه وهو المسجد، والمنارة تثبت ذلك، فإذا عرفت هذا الأصل العظيم وهو أهمية المصالح المرسلة، فإنك ستعلم بلا شك بأن قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء هو من باب المصالح المرسلة المعتبرة شرعاً، والتي وفق الله ولاة أمورنا على العمل بها، تحقيقاً لمصلحة المواطن ودفعاً للأذى عنه وزيادة في الخير والاستقرار، الذي يمنح المواطن العيش الرغيد والراحة في وطنه وبلده، فشكر الله لخادم الحرمين الشريفين ونائبيه على هذه اللمسة الحانية والقرار الحكيم في الوقت المناسب، ولاشك بأن مجلس الاقتصاد الأعلى بقيادة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان كان له الفضل - بعد الله - في الدراسة والعرض والإنجاز، فلا يستغرب من سموه هذه الإنجازات الكبيرة في الوقت القصير، والقيادة المحنكة، والرؤية المسددة، فهو القيادي الناجح، صاحب المواقف المشهودة. وكما قيل: الرجل العظيم، يحب البطء في أقواله والسرعة في أعماله. اللهم احفظ لنا بلادنا من كيد الأعداء، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان.