واصلت أسعار النفط انخفاضها في الأسواق العالمية من 86.1 دولارا للبرميل في أكتوبر 2014 إلى 47.0 دولارا للبرميل في أكتوبر 2015، أي بنسبة انخفاض بلغت 45.5%. في حين انخفضت أسعار الذهب بنسبة أقل بكثير بلغت 5.2% في أكتوبر 2015 مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وهذا يعني أن تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال عام 2015 يقابله استقرار نسبي لأسعار الذهب في الأسواق العالمية. ووفقا للتحليل الذي تنشره "الرياض" فقد شهدت أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية تقلبات حادة خلال العشر سنوات الماضية نتيجة عدة عوامل أبرزها تقلبات أسعار الصرف لاسيما قيمة الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسة الأخرى. ونتج عن التطورات الاقتصادية ارتفاعات قياسية في أسعار معظم السلع الأساسية في الأسواق العالمية. إلا أن الاستجابة للعوامل الاقتصادية تختلف من سلعة لأخرى. فمثلا بلغت أسعار النفط ذروتها في يولية 2008، حيث بلغ متوسط سعر النفط (مزيج برنت) 132.72 دولارا للبرميل. في حين سجل متوسط سعر أونصة الذهب أعلى قيمة له عند 1813.5 دولارا للأونصة في أغسطس 2011. هذه التقلبات الحادة في أسعار الذهب والنفط (بمستويات متفاوتة وتوقيت مختلف) تثير التساؤلات حول القيمة الحقيقة للذهب والنفط. والسؤال المطروح هنا: إلى أي مستوى انخفضت أسعار النفط الحقيقية المقومة بالذهب؟ الجدول والرسم البياني رقم (1) يشيران إلى المتوسط الشهري لقيمة الذهب مقابل النفط خلال الفترة من عام 2008 إلى أكتوبر 2015، حيث يتبين من تحليل تقلبات أسعار الذهب والنفط أن متوسط قيمة أونصة الذهب مقابل النفط بلغت 15.2 برميل نفط مقابل كل أونصة من الذهب خلال الفترة. وقد وضِّحَ المتوسط (بالخط الأحمر) على الرسم البياني، وكل قيمة فوق المتوسط تعني: إما أن النفط أرخص أو أن الذهب أغلى، والعكس صحيح. ويلاحظ من تقلبات أسعار النفط والذهب خلال السنة المنتهية في أكتوبر 2015، انهيار القيمة الحقيقة لبرميل النفط الخام مقابل أونصة الذهب من 14.2 برميل نفط لكل أونصة ذهب في أكتوبر 2014 إلى 24.7 برميل نفط لكل أونصة ذهب في أكتوبر 2015، أي انخفضت القيمة الحقيقية للنفط الخام مقابل الذهب بنسبة 73.9% خلال الفترة من أكتوبر 2014 إلى أكتوبر 2015. وكانت القيمة الحقيقية لأسعار الذهب والنفط في صالح النفط خلال الفترة من يناير 2008 إلى أكتوبر من نفس العام، ثم انقلبت لصالح الذهب نتيجة الانخفاضات الحادة التي شهدتها أسعار النفط خلال الربع الرابع من عام 2008 والنصف الأول من عام 2009. ثم بدأت أسعار الذهب والنفط بالتقارب النسبي مع ميل الكفة لصالح الذهب خلال الثالثة أرباع الأولى من عام 2010، والنصف الثاني من عام 2011، وثلاثة أرباع الأولى من عام 2012، ثم بدأت تميل بقوة أكبر لصالح النفط منذ مايو 2013م إلى أكتوبر 2014. إلا أن القيمة الحقيقية للنفط مقابل الذهب بدأت تتهاوى خلال الفترة من نوفمبر 2014 إلى أكتوبر 2015. واقترب تدهور القيمة الحقيقية للنفط مقابل الذهب إلى أدنى مستوياته التاريخية التي سجلها في عام 1988م. فخلال السبعين سنة الماضية بلغ متوسط قيمة برميل النفط مقابل الذهب نحو 14.7 برميل نفط لكل أونصة من الذهب. والرسم البياني رقم (2) يوضح علاقة النفط بالذهب خلال السبعين سنة الماضية. ومنه يتضح اقتراب تدهور القيمة الحقيقة للنفط مقابل الذهب البالغة 24.7 برميل نفط مقابل أونصة الذهب في أكتوبر 2015؛ من أدنى مستوى سجلته البالغة 29 برميل نفط مقابل أونصة الذهب في عام 1988. وأبرز النتائج المستخلصة من عملية المقارنة بين النفط والذهب خلال هذه الفترة تتمثل بالآتي: أولا، النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من عام 1948 وحتى 1971، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي وافقت فيها الدول الموقعة على اتفاقية بريتون وودز (22 يولية عام 1944) على الاحتفاظ بقيمة عملاتها في نطاق ضيف مقابل الدولار الأميركي ومعدل مساوٍ من الذهب، وقّيِّمت الأونصة من الذهب ب 35 دولارا. وقد تميزت تلك الفترة بارتفاع الإنتاج وانخفاض معدلات التضخم في معظم دول العالم. ثانياً، الذهب أغلى من النفط خلال الفترة من عام 1972 إلى 1975، وهي الفترة التي تزامنت مع انهيار اتفاقية بريتون وودز في عام 1971 عندما تعذر استبدال الدولار الأميركي بالذهب، فقد انخفض مخزون الولاياتالمتحدة من الذهب إلى 9070 طن تمثل ما نسبته 24,8 في المئة من احتياطيات الذهب العالمية. وهنا بدأت قوى العرض والطلب تهيمن على أسواق الصرف، حيث أصبح الدولار الأميركي معوماً بالكامل وتتحدد قيمته وفقاً لتفاعلات قوى العرض والطلب، أما بقية العملات فقد تباينت سياسات أسعار صرفها بين التعويم وأسعار الصرف الثابتة. ثالثاً، النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من 1976 إلى 1985، وهي الفترة التي تميزت بانتشار ظاهرة التضخم الركودي (انخفاض الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة المتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم) في معظم دول العالم. رابعاً، الذهب أغلى من النفط خلال الفترة من 1986 إلى 1999، وهي الفترة التي أعلنت فيها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – تخلي المملكة عن لعب دور المنتج المرن، حيث كانت السياسة النفطية التي تنتهجها المملكة في سعيها لتحقيق استقرار الأسعار حول السعر العادل للنفط تقوم على أساس خفض كميات إنتاج النفط في حالة وجود فائض في السوق النفطية، والعكس في حالة وجود عجز. واستمرت المملكة في هذه السياسة حتى انخفض إنتاجها من 10.3 ملايين برميل يومياً في عالم 1981 إلى 3.6 ملايين برميل يومياً في عام 1985 دون أن يكون لذلك أثر على الأسعار. فقد استمرت الأسعار بالانخفاض بسبب قيام الدول المنتجة للنفط بتعويض كميات إنتاج المملكة من النفط. وأدى إعلان المملكة إلى خفض أسعار النفط بنسبة 47.6% ليصل متوسط سعر برميل النفط الخام إلى 14.4 دولارا. أيضاً تخللت تلك الفترة غزو الكويت في عام 1990 التي رفعت متوسط سعر البرميل بنسبة 30.2% ليصل إلى 23.7 دولارا. إلا أن أسعار النفط تراجعت بشكل حاد لاسيما في عامي 1997 و1998 نتيجة الأزمة الآسيوية التي خفضت أسعار النفط بنسبة 7.6% و33.4% على التوالي، ليصل متوسط سعر البرميل إلى 19.1 دولارا في عام 1997 و 12.7 دولارا في عام 1998. خامساً، النفط أغلى من الذهب خلال الفترة من عام 2000 إلى النصف الأول من عام 2008، وتزامنت هذه الفترة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي خفضت أسعار النفط بنسبة 14.2% ليصل متوسط سعر البرميل إلى 24.4 دولارا، وإضراب شركات النفط الوطنية الفنزولية عن العمل خلال الفترة من ديسمبر 2002 إلى فبراير 2003 ليرتفع معها متوسط سعر برميل النفط بنسبة 61,6% ويصل إلى 32,8 دولارا. أيضاً في مارس 2003م القوات الأميركية تقود غزواً على العراق، ومتوسط سعر النفط يتخطى حاجز 30 دولارا للبرميل مرتفعاً بنسبة 60,6% و61,6% على التوالي خلال شهري يناير وفبراير 2003. وفي أغسطس 2004 متوسط سعر النفط يتجاوز 40 دولاراً للبرميل مدفوعاً بانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسة الأخرى، وارتفاع معدلات النمو في آسيا، وضعف قدرة الدول المصدرة على زيادة إنتاجها، ويستمر الارتفاع إلى أن يتجاوز متوسط سعر البرميل 70,26 دولارا في أبريل 2006. وفي 1 فبراير 2007 أنجولا تنضم إلى منظمة "الأوبك". وفي 21 أغسطس 2007 تؤدي التوترات السياسية إلى انقطاع إمدادات النفط من نيجيريا التي تحتل المرتبة 12 في ترتيب الدول المصدرة للنفط. وتبدأ أسعار النفط بالارتفاع التدريجي إلى أن تكسر حاجز 100 دولار للبرميل في مارس 2008. وفي 3 يولية 2008 أسعار النفط تسجل أعلى مستوى لها في تاريخها عند 145,29 دولارا للبرميل. ومنذ نوفمبر 2014 والقيمة الحقيقية للنفط مقابل الذهب تتهاوى إلى أن اقتربت من أدنى مستوياتها التاريخية في أكتوبر 2015 عند 24.7 برميل نفط مقابل أونصة الذهب.