ليس من المبالغة القول إن تاريخ انتقال قيادة الحرس الوطني إلى يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله كان نقطة فاصلة في تاريخ هذا التنظيم العسكري وقواته الضاربة، وكان نقلة ضخمة عمت كل ما يمثله الحرس الوطني في الميادين العسكرية من حيث العقيدة القتالية، والتدريب المناسب لها، وتدريب القيادات، وإعادة التنظيم والهيكلة لوحداته وأفواجه، وتجديد المواد والمعدات والتسليح، وإقامة المنشآت والبنى التحتية، وأخيراً وليس آخراً الاهتمام بالجنود.. وكل هذا الاهتمام العسكري كان مبنياً على العناية بالإنسان العربي المسلم السعودي في كل ما يخص بناء شخصيته علمياً ودينياً.. مع العمل على أن تكون كل هذه النشاطات في إطار من العمل الحضاري الذي بنى مدناً حضرية سكنية جديدة نقلت ساكنها من بيئة تقليدية إلى بيئة عصرية. ولابد من القول هنا إن كل هذه الخطط لم تكن نتفاً متفرقة بل كانت تنبع من رؤية شاملة تنطلق من أن المملكة العربية السعودية هي قبلة المسلمين ومنطلق الرسالة ومهد اللغة العربية وهي البلاد التي يحرص شعبها على حماية استقلالها وثرواتها والدفاع عن مقدساتها وحفظ الأمن والاستقرار في ربوعها ومن هذه العقيدة انطلق بناء جندي الحرس الوطني روحياً وثقافياً وجسمياً وتم رفع كفاءته وقدراته في مجالات تخصصه العسكرية.. ومن أجل ذلك بنيت المدارس العسكرية وكلية الملك خالد العسكرية لتطوير القادة وتعميق التدريب وأعيد تشكيل الأفواج إلى كتائب وألوية على أسس جديدة من التنظيم وتم تجديد التسليح والمعدات لتخدم المهمات الموكولة للحرس الوطني مع إنشاء مراكز التدريب وميادين التدريب وإجراء المناورات التي تعمق الخبرة وتضع أسس التطوير المستمر. وأقيم هذا البناء العسكري على أسس ثقافية راسخة أعادت النظر بالمناهج التدريبية الفكرية فأولت التعليم أهمية كبيرة وعملت على تعميق الفهم للعقيدة الإسلامية ولسياسات المملكة ولمصالحها ليكون المنهاج التعليمي الثقافي في خدمة بناء الشخصية العسكرية.. وفي هذا الإطار بنى الحرس الوطني سلسلة ضخمة من المدارس في التعليم العالي وجهزها أفضل تجهيز ونالت المدارس العسكرية المتخصصة كذلك حظها من تطوير المدربين في مستوى ضباط الصف والجنود.. وحظي أيضاً محو الأمية للكبار بجهود ضخمة كانت في نهاية المطاف مدعاة للفخر عندما كرمت اليونسكو الحرس الوطني لإنجازاته الكبيرة في هذا المجال.. وجاء المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله وتولى تنفيذه الحرس الوطني ليكون جامعاً للتراث العربي السعودي ومنبراً للساحة الثقافية السعودية الواسعة. وكما يعلم الجميع فإن مجتمع المملكة العربية السعودية في تطور مستمر منذ أن وحد هذه البلاد رائدها ومؤسس دولتها الملك عبدالعزيز رحمة الله عليه واستمر من بعده أبناؤه في هذه النهضة.. وفي هذا الإطار والاستمرارية بنى الحرس الوطني بتوجيه قائده مدناً سكنية في كل أنحاء المملكة ساعدت على استقرار عائلات منسوبي الحرس الوطني العسكريين ووفرت لهم المسكن الصحي في بيئة حضارية تستوفي كل شروط المدينة من خدمات ومنافع ومواصلات وأمن.. وهذا كله شكل قفزة كبيرة في حياة كل أبنائه. ولباب القول وخلاصته، لقد استمرت عمليات التحديث والتطوير طوال قيادة خادم الحرمين الشريفين للحرس الوطني فقد قام بتوضيح الفكر العربي الإسلامي والعسكري الموجه للحرس الوطني، ونظم الحرس الوطني تنظيماً شاملاً في كتائبه وألويته وقيادته ومبانيه الإدارية ومقراته القيادية وبنى فيه قوة عسكرية ضاربة حديثة تمتلك الأسلحة الحديثة والمعدات التقنية المتقدمة.. وعمّق دور الحرس الوطني الحضاري في تأسيس المدن السكنية والمدارس والمساجد والمستشفيات والبعثات والطباعة والنشر والنشاط الرياضي وساهم في خدمة المجتمع ما وسعه ذلك.. وكان الحرس الوطني في ذلك وفياً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله عندما قال (الحرس الوطني سيسير في كل اتجاه عسكري، واجتماعي، وتعليمي، وفني كلما وجدنا الظروف مواتية والفرصة سانحة فالعالم يتحرك ويسير في اتجاه التغيرات الكبرى، نحن في هذا العالم نتابع ما يجري، ونتفهم مشاكله، ونأخذ منه ما نرى أنه مفيد، ونرفض ونتحفظ على كل شيء مضر بنا وبمعتقداتنا وأصالتنا.. لذلك ستكون اتجاهاتنا في الحرس الوطني سائرة وفق ما أشرنا.. نعم سنطور مفهوم الإنسان وفكره مثلما نطور سلاحه ومفهومه العسكري). في هذه العجالة يصعب اختزال تاريخ مسيرة طالت أكثر من أربعة عقود تتابعت فيها الوثبات والتطورات حتى يومنا هذا وبقي فيها الحرس الوطني وفياً لمهامه ولقيادته ولشعبه ولأمته. والله الموفق.. ٭ وكيل الحرس الوطني