في القطيف حراك أدبي وثقافي يعتبر واحدا من أهم الروافد الهامة للحراك الثقافي السعودي. ثمة مجتمع شغوف بالأدب والقراءة والكتاب لكن البنية التحتية الثقافية والمتمثلة في المؤسسات الحاضنة تكاد تكون منعدمة. في الوقت الذي يعد وجود مثل هذه المؤسسات ضرورة تحتمها النظرة الجديدة لأهمية التنمية الثقافية في كل بقاع هذا الوطن الحبيب. محسن الزاهر: تحتل القطيف مرتبة متقدمة في عدد المؤلفين والأدباء وعن أهمية تدشين مؤسسات ثقافية حاضنة في محافظة القطيف، يرى الكاتب حسن آل حمادة، بداية أنه " من يتابع المشهد الثقافي والأدبي في القطيف يلحظ أنه في تصاعد مستمر من حيث عدد الفعاليات المقامة في المنتديات الأهلية بصورتها التقليدية أو عبر أندية القراءة التي بدأت تظهر مؤخرًا، ومن مؤشرات تنامي هذه الأنشطة وتصاعدها رأينا أن بعضها تحول من نشاط أسبوعي إلى شهري وبعض الجهات ارتأت أن تقيم فعالية سنوية أو نصف سنوية". ويضيف آل حمادة قائلا: "ومع أهمية النشاط الأهلي المتزايد من ناحيتي الكم والنوع، فإن الكثير من المهتمين يأملون أن يدشن في القطيف نادٍ أدبي أسوة ببقية المدن، وكما قال الشاعر "ومكسب للعطر أن تتنوع الأزهار"، فالمطالبة بتأسيس نادٍ هي أضعف الإيمان وإن كانت الطموحات تتجاوز ذلك لما هو أرقى بكثير". موضحا: "غير خافٍ على أحد أن الأندية الأدبية من شأنها أن تقوم بما يصعب على المنتديات الأهلية تحقيقه مع إيماننا بتكامل الدورين بينهما، فالدعم المالي السخي الذي يتاح بيد الأندية الأدبية يعدل ميزانية المنتديات الأهلية مجتمعة ولسنوات ممتدة". مشددا على أن أهمية الحديث حول موضوع المطالبة بتأسيس ناد أدبي في القطيف يأتي الآن، لأن المتوقع أن يسهم النادي في دعم الأنشطة الأدبية فيها مع تفعيل الأنشطة الأدبية ورفدها بالجديد، وقد يُسهم النادي في إقامة الدورات وورش العمل الإبداعية التي من شأنها أن تسهم في إبراز وتنمية الطاقات الشبابية والواعدة من الجنسين في مختلف الجوانب". ومن تجربته يتحدث آل حمادة: " لكوني أحد المهتمين بالعمل الثقافي فقد تلمست الحاجة لتأسيس مراكز ثقافية رسمية تحتضن الطاقات الشابة وتسهم في صقل تجاربها لتأخذ مكانتها اللائقة، ولكي لا نطيل الانتظار فقد بادرت مع مجموعة من الأصدقاء في تأسيس نادي اقرأ كتابك الذي أردنا من خلاله سد ثغرة صغيرة عبر المساهمة في تنمية وتعزيز عادة القراءة في الأوساط الاجتماعية المختلفة إضافة لتشجيع الأقلام الجديدة على اقتحام تجربة النشر وقد وفقنا في ذلك بقدر ما. وكانت مبادرتنا الأولى هي إقامة مهرجان اقرأ كتابك على المساحة الخضراء في كورنيش القطيف وقد شارك في هذه الفعالية المئات من الرجال والنساء والشباب والأطفال في احتفالية لافتة بالقراءة والكتاب كما رآها البعض وكتب عنها، وأسهمنا أيضا في تنظيم اللقاءات التي تعنى باستضافة الكُتَّاب لمناقشتهم في كتبهم ومشاريعهم الثقافية مع تقديم قراءات في كتبهم وسنستمر في ذلك لنتكامل مع الجهات الثقافية الرسمية التي نتوقع منها الكثير الكثير". نظرة أقل تفاؤلاً يتبناها الإعلامي والروائي حبيب محمود، الذي يعلق على أهمية تدشين نادي أجبي في القطيف، معلقًا: " على المستوى الشخصيّ؛ لا أُعوّلُ، كثيراً، على المؤسسات الثقافية البيروقراطية، الأندية الأدبية تحديداً؛ ما زلتُ أراها مؤسسات معطّلة ثقافياً، ناشطة بيروقراطياً وفوق ذلك؛ قدّم لنا المثقفون، عبرها، نموذجاً رديئاً للعمل الديموقراطيّ، في وقتٍ كنا ننتظر منهم أن يكونوا مؤسسين صانعين للآليات الانتخابية الطبيعية". لكن ماذا سيحدث لو تم تأسيس نادٍ ثقافي وأدبي في القطيف، يعلق محمود: " لن يكون أكثر من نسخة كربونية رديئة لواقع الأندية الأدبية في المملكة وسوف يتهافتُ عليه الأخداج والمنتفعون، تماماً مثل نظرائهم في المناطق الأخرى. واقع الأمر هو أن لجنة فرعية من أدبي الشرقية تكفي لمحافظة القطيف، ففي النهاية المطلوب هو النوع لا الحجم الإداري في الشأن الأدبي". وبعيدا عن فكرة الأندية الأدبية التقليدية يسأل حبيب محمود: " علينا أن نتساءل قبل النادي الأدبي عن مشروع مركز الأمير سلطان الحضاري الذي دُفنت أوراقه في الأدراج ولم يعرف النور حتى الآن. القطيف في حاجة إلى هذا المركز الحضاري لأن احتياجاتها الثقافية لا تقتصر على احتضان المواهب الأدبية فحسب، بل هي في حاجة إلى حاضن أوسع، يستوعب ثقافة الموقع الحضاري الذي تتمتع به". ويرى الروائي السعودي أن القطيف ذات تنوّع جغرافي وديموغرافي أفرز ثقافات متعددة، البحر، والريف والصحراء، ثلاثيّ جغرافي أحاط بالإنسان ومنحه فرصاً كثيرة للتعايش مع بيئته وإنتاج الحياة من مفرداتها. وبالتالي؛ فإن دور المركز هو إعطاء الفرصة للتنوع الثقافي والحضاري فيها أن يعبّر عن نفسه، وعن وجود الإنسان وموروثه". من جهته يؤكد الشاعر محسن الزاهر أهمية الثقافة في مجتمع مدن وبلدات القطيف، مبينا بالقول: " منذ عقودٍ مضت ولم تزل القطيف حاضرة أدبية، وموقعها على الساحل الشرقي للخليج العربي أتاح لها أن تكون بيئة خصبة لولادة الأدباء والشعراء، حتى أنه في عام 1951 م عندما زارت الأديبة بنت الشاطئ القطيف وبعد عودتها إلى مصر كتبت مقالاً وأشارت فيه إلى اهتمام أهل القطيف بالأدب والشعر ومن كلامها الذي أوردته في المقال:" وكم خجلت وأنا أرى في أيديهم كتبنا ومجلاتنا، ونحن الذين لا نشعر بهم أو نلقي إليهم بالاً". ويضيف الزاهر: لا أشك أن القطيف تحتل مرتبةً متقدمة جداً ولذلك من ناحيتين الأولى وجود كثافة في عدد الأدباء والمثقفين مقارنة بعدد سكانها، والناحية الثانية أن هناك عددا كبيرا من الإصدارات الأدبية والثقافية، ومن هنا تأتي أهمية وجود نادي أدبي في القطيف يحتضن هذا الإنتاج الكثيف، ومن الدلائل الواضحة لأهمية وجود نادٍ أدبي في القطيف هو العدد الذي لا يستهان به من وجود صالونات أدبية وثقافية منتشرة بشكل مرئي للمتابع للحركة الأدبية والثقافية، وأحياناً تكون هناك صالونات مصغرة "مجلس أدبي" يكون فيه الحديث عن الأدب والشعر بما يشبه الدردشات وأظن أن وجود هذه الصالونات والمجالس هو متنفس وسد مكانا فارغا كان يمكن أن يكون النادي الأدبي محلاً لهذا الفراغ لو كان موجوداً؛ إضافة إلى ذلك الحضور الفاعل لأبناء القطيف وذلك من خلال مشاركتهم في النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية أو جمعية الثقافة والفنون بالدمام، وقد لاحظت في السنوات الأخيرة تقلصا في عدد الحضور للنادي الأدبي بالدمام، ومن بين أسباب هذا التقلص هو المسافة الفاصلة بين القطيف والدمام وزحمة الشوارع، وقد صرح مرةً صديق لي وهو من جزيرة تاروت أنه ينبغي عليه أن يخرج قبل ساعة من وقت الأمسية ولا يخفى أن عدم وجود نادٍ أدبي في محافظة القطيف أصبح ينعكس سلباً على شعور الأديب والمثقف واحساسه بشيء من اللامبالاة من قبل المؤسسة الرسمية المعنية بهذا الشأن". مؤكدا أن " الحديث عن وجود نادٍ أدبي في القطيف هو حديث ليس بجديد وقد كنت أسمع أنه كانت هناك مبادرات حثيثة لإقامة نادٍ ومن بين هذه الأسماء التي أذكرها ما قام به الشاعر السيد عدنان العوامي من سعي في هذا المشروع ولا أملك المعلومات الدقيقة التي أدت إلى عدم قيام هذا المشروع حتى اليوم، ولكن الأمل لايزال معقودا في افتتاح مثل هكذا مؤسسات ثقافية وطنية تشكل بنية تحتية لمجتمع القطيف الشغوف بالمعرفة والفكر والأدب". الشاعر محمد منصور اعتبر تراجع دور نادي الشرقية الأدبي في السنوات الأخيرة ركودا في الحراك الثقافي العام في الشرقية إذ لم يعد نادي الشرقية ذلك المكان الجاذب لأدباء وكتاب القطيف. مشيرا إلى أن حواضن الثقافة نوعان: الأول هي المؤسسات الرسمية ومنها النادي الادبي والأخرى الأندية الأهلية. موضحا: " بالنسبة للقناة الأولى نجد أن هناك تراجعا وانحسارا في جميع فعاليات نادي الشرقية الأدبي في الخمس سنوات الأخيرة , والتي بدأت بحل مجلس الإدارة المنتخب برئاسة محمد بودي من قبل وزير الثقافة والإعلام السابق عام 2011 م , وقرار إعادة إجراء انتخابات جديدة خلال ستة أشهر , وإصدار قرار بتكليف مجلس إدارة معين برئاسة خليل الفزيع لإدارة النادي. عدم إعادة الانتخابات وبقاء مجلس الإدارة المعين خلال الخمس سنوات الأخيرة سبب ركودا كبيرا في فعاليات النادي الثقافية. على العكس منه تماما فإن جمعية الثقافة والفنون بالدمام برئاسة أحمد الملا تشهد تقدما كبيرا عبر فعالياتها الثقافية , ولا سيما افتتاح ( بيت الشعر ) برئاسة زكي الصدير. بالإضافة لما سبق فإننا نجد تعاونا ثقافيا كبيرا بين جمعية الثقافة والفنون بالدمام والمنتديات الأهلية القطيفية شكل جزءا من الحركة الثقافية على المستوى العام ". أما فيما يخص المنتديات الأهلية، يضيف منصور: " نجدها تمثل الثقل الأكبر في تحريك عجلة الثقافة في القطيف عبر مجموعة من المنتديات الأهلية , وهذه المنتديات منها المختص في جانب معين, ومنها ما هو مهتم بالثقافة بشكل عام , وإن كان الجانب الأدبي غالبا على معظم المنتديات خصوصا الشعر, مع ندرة في الفعاليات النقدية بشكل عام". مشيرا إلى تجربته مع رفاقه في تأسس منتدى اليراع بالقطيف عام 1433 ه . قائلا: " وضع اليراع على عاتقه منذ البداية عدم الانحياز لجماعة معينة أو فن محدد, حيث نجد منه تعاونا مع مجموعة من المنتديات والمهرجانات, إضافة لتعاونه مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، كما نجده مهتما بالثقافة والأدب والفن بشكل عام. مؤكدا أن هذه المحاولات لاتسد نقص قيام مؤسسات ثقافية حاضنة في المحافظة والتي بلاشك ستسد ثغرة الافتقار لبنى تحتية تحتضن جمهور الأدب والثقافة في منطقة القطيف".أمسية ثقافية في خيمة مستأجرة حسن آل حمادة آل حمادة: كثيرون يأملون افتتاح نادٍ أدبي بالقطيف حبيب محمود حبيب محمود: القطيف بحاجة لمركز الأمير سلطان الحضاري وليس لنادٍ أدبي محمد منصور محمد منصور: الثقل الأكبر على المنتديات الأهلية