ينهض مثل أفعى سامة، بحكمة يقينية ويا للدهشة، يعرف أين يضرب!! بتأمل، يثير استغراب العالم، يوقظ لدى البشر ذلك الإحساس الطاغي بالدم.. الأقوياء، الآن يزمجرون. والناس لم تعد تملك فضيلة النسيان!! وهو قد انتهى إلى ما يطيح به بين الأضداد من كتاب "أرنست هيمنجواي" "وداعا للسلاح"، ويتأمل تأثير الكتاب فى عقله وروحه متذكراً الحملة الايطالية فى الحرب العالمية الأولى عبر السرد الطويل، عن ذلك الشاب "فردريك" وعن الممرضة "كاثرين" اللذين يعملان فى الاسعاف بجبهة الحرب ويعيشان أجواء القتل والاجتياح وأفعال الموت فى الميدان الايطالي. وبرغم حالة حصار الموت إلا أنك تشعر طوال القراءة أن ثمة أملا يلوح هناك أمام الانسان، وانه سوف ينال آخر الأمر الحياة يوما والخلاص مما يجرى حوله ومن ثم يودع السلاح يوم الخلاص من النازي. زحمة السلاح على الأرض العربية، في كل مناحي الأرض العربية تقريبا!! وإن ضاقت به الأرض السورية فثمة أراضٍ أخرى سوف تنفتح ابوابها أمام مكان الهجمة المروعة للأسلحة، وأمام اصرار الآخر وجماعاته للتدخل في شؤون الأوطان. الأوطان المستباحة من أهلها ومن الغريب. كأن الارض السورية مكاناً تجرى فيه بروفات القتل والتهديد. كهف يخرج منه هؤلاء القادمون من بعيد بعتادهم، وموتهم بقصد السيطرة والغزو والتهجير والاستغلال. وعلى مدى البصر يغرق الفضاء ذلك اللون القرمزي. وأنت تشاهد جماعات البشر يهيمون في الأنحاء، معرضين لذلك الموت الباذخ الثقيل، الأخرق الذي يمزق حياتهم. في سورية، وفى حضرة كل هذا السلاح، لا فرق، بالضرورة، بين ما يجرى داخل الحدود، وما يجري خارجها، للموت شكل فادح، وطريق وحيد، والسنوات تنقضي داخل غبرة الدخان، والهديم والصراخ معنى لاستغاثة. ثمة راع هناك.. راع واحد للموت.. يفعله، ويشهد عليه، ثم يبتسم فى الظلام وحده وجماعات منظمة، دربت بعناية بعد انتزاع مشاعرها، ترافق جيوشا تسعى لتحقيق مصالحها، وهكذا تتجسد الحقيقة أمامنا مثل وهج القنبلة. ليصمت كل هؤلاء الذين يزحمون الورق بالكلام.. فصرخة طفل عند موته تصفع وجه السياسي والمفكر وقائد الجند وكل هؤلاء الجهابذة الذين يرتبون الكلمات عن الإستراتيجية، ودعاة الطائفية الجديدة التى يستبدلونها بالاستنارة والتحديث. وعرق الأمة وثرواتها تدفع ثمنا لاقتناء السلاح، وعبر صراع عمره مئة عام تنهار البيوت، وتشتعل النار في المزارع، ويموت الأهل تحت الأنقاض، وتنتزع الشعوب من الأماكن التي ولدت فيها، وتقام مرة اخرى، ثم تنهدم من جديد عبر دورة العمار والخراب، وتاجر السلاح المجرم هو الذي يزحم حياتنا الآن في انتظار ما تسفر عنه المعركة، ليشعل الأرض من جديد بالنار والموت والتهجير. والبلاد تشهد على مآسيها.. العراق وسورية وفلسطين واليمن وليبيا وصحراء سيناء. وبلاد اخرى تتهيأ وتنتظر!! فيما يعد الأميركان والروس والفرنسيون، وخلف الستار تجار الموت برؤوس أموالهم، وايدولوجياتهم، يعدون: داعش والنصرة والقاعدة وجيش الفتح والطائفتين. لم تعد تفيد شعارات الماضي!! ولم يعد يتفق فهمنا القديم للحرب التي كانت تنتهي بمنتصر ومنهزم وكأنها لعبة الشطرنج أو الاستعارة لكوابيسنا. الآن الحرب تعنى الاستمرار، الإمعان في الاستمرار ولا فروق هناك بين منتصر ومنهزم، كل ما يهم هو قيامة السلاح، اطلاق النار، الحريق المشتعل في الأنحاء. يتغير المشهد ويقتحم الروس تبة ضرب النار، قادما من صقيعة، من البلاد البعيدة، حاملا في حقيبته دعاواه ومباركة كنيسته الأرثوذكسية التى تعرف الحرب الآن في سورية بالحرب المقدسة، ويبدأ التحالف الجديد بلا نهاية. يتذاكى أحدهم بأننا في زمن "سايكس بيكو" جديدة عودة لتقسيم مصائرنا فناء، وتغيير ما استقرت عليه الدول عبر العصور. ما الذى نستطيع نحن أمام هجمة السلاح تلك؟ ما القدرة التى يمتلكها أهل التواريخ القديمة، هؤلاء الذين لاذوا الى الماضى واحتموا به؟ ما الذي نقدر عليه؟ الأرض والثقافة والدين ومياه البحر ونجوم السماء لنا. ولدنا في تلك الانحاء التي تزخر بما نملك، والتي نتعرف على انحائها كراحة يدنا. الآن طوائف غامضة تتوالد مثل فطر، وتخرج من أكثر الأنحاء غموضاً، حاملة افكارها بالقتل والذبح والتدمير. يتحالف الضدان، وينشبون أظافرهم المسلحة فى لحم الأرض العربية بهدف المحو والخراب فماذا نحن فاعلون؟