تشتكي كآبة المزاج.. وعدم الرغبة في أي شيء.. تشعر أنّ الأيام تتشابه مهما حاولت تغييرها.. أو صبغها بألوان الحياة المفرحة.. المشكلة أنك لاتتوقف من أجل طرح السؤال الأهم: ماذا يزعجك، أو ماذا هناك ليدفع بك إلى هذا الشاطئ المهجور داخلك؟ رغم أنك تعيش مع الآخرين وبينهم.. ومعهم.. وتمارس حياة طبيعية لايشوبها مايزعج أو يحولها إلى طريق مفروش بالعذاب والأوجاع..! لماذا لانعكس السؤال: ماذا لم يزعجك؟ وعليك أن تبحث عن الإجابة.. المشكلة أنك تنغمس داخل داخلك بحثاً عن إجابات وستجدها جاهزة وحاضرة ومندفعة للتسجيل.. يحاصرني واقع مرير.. وأيام تغرق في عاديتها ونواقصها.. وسلسلة من اللحظات الباردة والمملة.. أجدُ ذاتي وأعرفها وأحقق الاكتفاء داخلي بمعرفة لكن لا أشعر بسعادة.. تندفع في شراييني طاقات متعددة ولكنها لاتصل بي إلى السعادة الإيجابية.. بل تمنحني سعادة سلبية.. هل هذه طبيعتي؟ أم أنني أختلق طبيعة جديدة لأنفذ بها إلى عمق مشكلة ليست موجودة؟ يقول أحدهم "البعض يبرمجون عقولهم للبحث عن حلول.. والبعض يبرمجون عقولهم للبحث عن مشكلات..".. هل أنا كذلك؟ وهل أسعى لخسارة نقاط اكتسبتها من أجل اللاشيء..؟ من الطبيعي أن تبحث عن حلول عندما تحاصرك المشكلات.. وتسعى إلى اختيار الحل الأفضل والأنسب وأحياناً المتاح من أجل الخروج من بوتقة مشكلاتك.. كما ينبغي.. ولكن من الصعب ومن غير الطبيعي أن يبحث الإنسان عن المشكلات.. ويبرمج عقله أنّ هناك مشكلات أو قد توجد مشكلات في مكان ما وينبغي أن نذهب إليها.. ولامانع أن نبحث عنها.. فلربما تضيف للحياة شيئاً من وهجها.. أو تمنحها روحها المفقودة.. دون التفكير في أنّ هذه المشكلات قد تخلق كوارث متعددة يصعب السيطرة عليها.. أو تجنبها أو إيقافها عندما تعود إلى ذاتك وتقرر البرمجة بعيداً عن اختلاق مشكلة إلى تجنب مشكلة.. والبحث عن حلول للحماية منها.. وتوسيع الفكر لتجاوزها والعودة إلى حالة الصفاء الداخلي والسلام النفسي الذي اعتدته..! هي النفس البشرية تديرها كما تشاء.. وأحياناً كيفما اتفق.. لاتعرف أين تضع تاريخها أو أين تتركه.. أو تدفع به إلى مجاهل الهاوية.. أو إلى قمم الأمل والحياة المزهرة.. تغيب أنفسنا عنّا فجأة ونحن معها وتتحول إلى مجهول لاتعرفه رغم أنك تلازمه كظلك.. ولكن في لحظات لا تعود جزءا منك.. تصبح ذلك الغائب الحاضر.. يتوازى حضورها مع غيابها.. وسيطرتك عليها مع فقدانها.. تتعادل كل الأشياء لديك.. وكأنها معادلة الفراغ.. أو معادلة اللاشيء.. وهو الأمرّ.. تعرفه ولاتعرفه.. ولكن تشعر به.. لاتريد شيئاً ولكن تريد العودة لحالتك الطبيعية.. وتجاوز هذا الواقع الفارغ.. الذي ترى فيه كل شيء اعتيادياً.. ربما لم تصل بعد إلى حالة الأسوأ من الاعتياد ولكن ما تشعربه هو سيئ.. لم يعد يأسرك شيء.. أو يلفت انتباهك.. أو يغريك لتمتلئ بصفاء المشاعر.. ونشوة الذات.. تتعادل الأيام في حضورها.. وكما كانت تقول جدتي رحمها الله.. ما نمسي عليه نصبح عليه.. أو لا جديد.. وتردفها بالحمد لله على كل حال.. ألف حمد وشكر على الصحة والعافية.. وعلى وجود من نحبهم بجانبنا.. ولكن تشعر أنّ الأمر يخصك داخلياً "لست سعيدا" ومع ذلك أنت لست حزيناً.. إنها المعادلة الصعبة.. اعتيادية الأشياء والصور.. والزهد في رؤية ماهو جميل وآسر للآخرين.. لأنك تراه اعتيادياً وغير ملفت أو مهم.. لاتلحظ مايلحظه غيرك ويمنحه القيمة.. تراه مثلهم ولكن بمنظارك وبعينيك تراه عادياً خالياً من كل شيء.. رغم كل الفوائض التي يمنحها الآخرون له.. هل أخفقت في القراءة؟ من المؤكد لا.. لأنك تقرأ بمنظورك وإحساسك وليس بإحساس الآخر ونظرته..! لاشيء من الممكن ان يدفعك إلى الخروج من اعتيادية الصورة طالما تذوب نفسك ودواخلك في حالة من الزهد المشروع.. الذي تتضافر ذاكرتك وروحك لتكريسه.. وإعلان الولاء له.. وتحويلها إلى مسألة مغلقة.. من الصعب فك رموزها أو حلها.. أو حتى البحث عن حلول ما دمت تتماهى معها.. وتعيشها مستمتعاً بها كسرد يومي مطمئناً لها ومتجاوزاً إحساس البحث عن خيارات أو بدائل..! هي النفس البشرية تحتويك وتحتويها، وتشعرك بذاتك وطمأنينتك وتملأ معها الأرض أقصد أرضك بفكرك وقناعاتك وزهدك الاختياري..!