ان مجلس التعاون يملك من المقومات ما يجعل ادواره أكثر تأثيرا مما سبق فهو قادر ان يعود بفاعلية ماسكا زمام المبادرة لحل القضايا العربية. كما أن على المجلس إعطاء اهتمام أكبر للمواطن الخليجي وتلبية تطلعاته، قبل أن يرحل عنا قال الأمير سعود الفيصل رحمه الله "إن دول مجلس التعاون لا تهدف لتحقيق مصالح توسعية أو غايات خاصة أو تتدخل في الشؤون الداخلية لغيرها". وأشار الى أن الأحداث أثبتت أن المجلس "يزداد صلابة ومناعة ووحدة وقدرة وهو ما حتم عليه أن يأخذ زمام المبادرة في تفعيل التفاوض العربي وتطويره ليأخذ دوره كاملاً في معالجة الأزمات التي عصفت وتعصف ببعض الدول العربية وفي مواكبة التطلعات المشروعة للشعوب العربية في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية" كان محقا الأمير في كلامه ونحن نعلم ان حقيقة المخاطر هي من دفعت دول الخليج للالتفاف حول بعضها البعض، فقد شعرت بأن التداعيات لما يحدث في المنطقة سينعكس عليها فما كان منها إلا التنسيق فيما بينها إيمانا بوحدة مصيرها وبالتالي الاهتمام الذي يحظى به مجلس دول التعاون لم يأت من فراغ بل نتيجة لمواقف وتوافق سياسي في ملفات ساخنة وضعته ضمن أهم التكتلات على الصعيدين السياسي والاقتصادي. لقد لمسنا تلك الروح المشتركة من المجلس تجاه التهديدات الإيرانية، والتعاطي مع الملف اليمني كما تجسدت تلك الصورة كما نذكر مع بداية أحداث ليبيا، فضلا عن مشاركته العسكرية آنذاك في البحرين دعماً للشرعية هناك. ولذلك فالقراءة الموضوعية لهكذا تنسيق بين دول المجلس، تكشف عن قدر كبير من الشعور بالمسؤولية، ووعي حقيقي بحجم التحديات، فكانت بمستوى أهمية وخطورة الأوضاع في المنطقة. ولعل الظرف الإقليمي يضع حتما الملف الأمني في أول الأولويات، لاسيما ونحن نتابع حرب اليمن، ناهيك عن داعش ومحاولاتها في اختراق المجتمعات الخليجية ما يعني ان المسألة لم تعد شأنا داخليا لهذه الدولة او تلك بقدر ما أنها باتت تمس وجود وبقاء هذه الدول. على أن مجلس التعاون الخليجي نجح خلال مرحلة التأسيس في مواجهة التحديات والتحولات فضلا عن الحروب التي اكتوت دول المنطقة بأضرارها وبقي الكيان مجسدا رغم المصاعب، الا ان الإشكالية تكمن في طبيعة نظامه الذي لا زال بحاجة الى تطوير لا سيما اننا لا نعلم ماذا تم بشأن ملف مقترح الاتحاد الذي ظل رهين ادراج امانة المجلس ولذلك هناك ثمة ضرورة لإصلاحه وتغييره جذرياً،؛ لأنه بآلياته وأدواته الحالية لم يعد يلبي متطلبات المرحلة، ومع ذلك أقول انه برغم أن إنجازاته متعددة، إلا أن محصلتها لا زالت أدنى مما يأمله المواطن الخليجي. ليس مطلوباً من دول الخليج أن تتحمل أخطاء الآخرين وتدفع فاتورة تصرفاتهم وقراراتهم، وهي ليست معنية بمعالجة هموم الآخرين قبل همومها. عليهم ان يفكروا في مصالحهم أولا، والذاكرة تقول انه عندما كنا نعاني في دولنا من الفقر والجهل وشظف العيش، لم يلتفت إلينا أحد وقتها، العرب قبل العجم. وعندما انفجر النفط في قلب الخليج أقبلوا علينا بحثاً عن الغنائم، فخلقوا المؤامرات وزرعوا الدسائس والخلافات، وشقوا وحدتنا وتآلُفَنا من أجل أجندتهم الخفية. إن شعوبنا ترنو إلى تفعيل مشروعات الإصلاح وليس الوقوف عند بيانات التنظير، والقيام بجردة حساب لما مضى، مقارنة بما يجب أن يكون في المستقبل، وبالتالي نتخلص من عبارة: "لم يعد بالإمكان أفضل مما كان". إن الخليجيين بحاجة إلى روح جديدة وقراءة جديدة للواقع، فالشعوب ترغب بإصلاحات داخلية داخل بلدانها، وخارجية ممثلة بتشكيل اتحاد فيدرالي، وهما في تقديري المنطلقان الأساسيان لبناء خليج موحد قادر على المواجهة، فضلاً عن المنافسة في عالم لم يعد يؤمن إلا بالتكتل. وفي هذا السياق وفي ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه المنطقة، يمكن لدول الخليج مجتمعة امكانية تغيير المسار الراهن بما يخدم مصالحها ويحمي امنها وهي قادرة على الأرجح بدليل استشعارها دائماً بالمخاطر التي تمس امنها القومي كما في اليمن، فقرار الملك سلمان بن عبدالعزيز كان قد أعاد بوصلة المنطقة لمكانها الصحيح ليرسخ مفهوم التوازن في اليمن والإقليم وكانت خطوة مهمة أن أغلقت التمدد الفوضوي الذي مارسته طهران وحملت رسالة سياسية واضحة لأطراف عدة في المنطقة. ان مجلس التعاون يملك من المقومات ما يجعل ادواره أكثر تأثيرا مما سبق فهو قادر ان يعود بفاعلية ماسكا زمام المبادرة لحل القضايا العربية. كما أن على المجلس إعطاء اهتمام أكبر للمواطن الخليجي وتلبية تطلعاته، وبالذات الشباب الذين باتوا يمثلون البوصلة لاتجاهات التطور السياسي مع ضرورة أن يتوازى ذلك مع التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ومع أن المتغيرات الإقليمية أدت إلى اهتمام دول المجلس بالمنحى الأمني غير أن القضايا الداخلية الأخرى تتطلب لفتة جادة بذات القدر من الاهتمام، فاجتماعات مجلس التعاون عادة ما تتأثر بالحدث بمعنى أنها تتفاعل مع أحداث إقليمية ودولية ضاغطة ورغم أهمية ذلك، إلا أن الخطط الاقتصادية والاجتماعية المتصلة بالإنسان الخليجي تأتي غالبا في نهاية الأجندة، وبالتالي ثمة ضرورة لإعادة النظر في تلك الرؤية ووضع الأولويات بما يخدم مصالح الشعوب. صفوة القول: دول الخليج تواجه مخاطر تهدد في أسوأ الأحوال استقرارها، فلا امن إقليمي ولا استقلال حقيقي ولا تنمية مستدامة الا من خلال ترتيب البيت الخليجي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة لا سيما وهو يملك من المقومات والإمكانات ما يحقق كل ذلك إن أردنا الحقيقة!