بهدوء وعشق لتخصصه ولطلابه حوّل معلم التربية الفنية في فصول التربية الفكرية بمتوسطة القارة بمحافظة الأحساء "زكي اللويم" مادته من مجرد أداء عمل ينتهي بنهاية حصته، إلى أن تصبح ميداناً لعلاج فئة غالية علينا جميعاً، وهم ذوو الاحتياجات الخاصة، ونظير تميزه في عمله حاز زكي على جائزة عبدالوهاب الموسى للتميز، كما نال إشادة من وزارة التعليم ومن تعليم الأحساء، وقبل ذلك يلقى إشادة يومية في الميدان من قبل طلابه الذين صاروا يتسابقون في المشاركة معه. ويبدأ مع طلبته باستكشاف ما يملكونه من قدرات ومواهب أسوة بطلاب التعليم العام، وتتم عملية الاستكشاف عبر بعض الأعمال الخفيفة ومحاولة خفة وتوازن اليد كون طلاب الفكرية يعانون في الغالب من إعاقات مختلفة خاصة فمنهم متعددو العوق، حيث إنّ بعض طلاب التربية الفكرية يعانون من إعاقة ذهنية إلى جانب ضعف في عضلات اليد، فإذا وجد أن الطالب سليم اليد فباستطاعته أن يعمل أي عمل يوكل له. ونجح زكي اللويم في توظيف قدرات طلابه عبر عمل أنواع عدة من الأنشطة وأعمال فنية كالجبس والصبغ والمعجون والأعمال الأسمنتية والفلين والأعمال الخشبية، فهو عليه أن يقوم بالتصميم ويقوم بمتابعة طلابه، ويتحرك ما نسبته من (70-90%) من الأعمال على طلابه، فيما يقوم هو بوضع اللمسات النهائية، فنجح في عمل معرض فني في غاية الروعة، واستطاع طلابه في الأعمال الجبسية من عمل المقاسات وتقطيع الحديد وعمل هيكل الجبس وتثبيته وعمل المعجنة والصبغ، وكذلك الأعمال الأسمنتية وخلطه، فيما يقوم هو بالتشطيب النهائي وهكذا، فنجح الطلاب في عمل الطاولات. "الرياض" التقت بالأستاذ زكي اللويم وعدد من طلابه، لتسلط الضوء على أهمية مادة التربية الفنية في تعزيز مهارات طلاب التربية الفكرية. علاج وتحفيز في البداية قال زكي اللويم: "بالنسبة لي ليس ثمة مشكلة في أن يتلف طالب الفكرية عمل ما، كما لا يهمني جودة المنتج بقدر ما يهمني إشراك الطالب بتقديم ما لديه من قدرات بغض النظر عن الإتقان أو الجودة، وهنا يكون فيه جانب علاجي ونفسي للطالب، وبعض العلاج قد يستغرق عاماً كاملاً، فزرع الثقة فيهم مع الصبر أمر في غاية الأهمية مهما كانت النتائج، وأود هنا أن أشير إلى أهمية تطوير التربية الفكرية، وأرى أهمية وجود متخصصين يحولون المواد العلمية إلى مهنية محسوسة، مع زيادة الحصص المهنية، كما أدعو زملائي إلى التحفيز والتعزيز لطالب التعليم الخاص عبر توزيع الهدايا وتهيئة نفسيته ومكافأته على جهوده". المعالجة بالفن ولفت اللويم إلى أنّ من يعاني من إعاقة في اليد فيتحول معه من تمكينه من العمل الفني والرسم إلى المعالجة بالفن، حيث تتم عملية نقل الطالب من الإعاقة إلى التمكن في الكتابة وأدائه بعض الأعمال الفنية التي تساعده في حياته، فالعمل الفني هنا ليس هدفاً وإنما وسيلة، مستشهداً بتجربتين لطالبين من المرحلة الابتدائية والمتوسطة تعامل معهما، حيث كان الأول يدرس في الصف الثاني الابتدائي وكان يعاني من إعاقة شديدة وتشوه والتواء في اليد مع تشنج في اليد بحيث يجد صعوبة حتى في الإمساك بالقلم، فبدأ معه برسم خطوط مستقيمة بقلم الرصاص، وبعد فترة رسم شبكه خطوط وتكوين مربعات، ثم رسم كل خط بلون، ثم تلوين المربعات، وهكذا خطوط منحنية، فوصلنا لأن الطالب بدأ يمسك القلم ويكتب بشكل طبيعي، منوهاً بأنّه استطاع معالجة طالب آخر يعاني من رعاش في اليد، لا يستطيع معها التحكم عبر استخدام الطاولة المضيئة، والشف والرسم من خلالها ونجح بما نسبته (75%) في خلق توازن في اليد. وأشار إلى أنّ إنتاجية طالب الفكرية قد تفوق الإنسان العادي، وكشف عن أن أحد طلابه وصل لمرحلة التصميم بالكمبيوتر في برنامج (السكتش)، كما استطاع العمل بمقاسات صحيحة وعبر الأرقام الإنجليزية، فوصل إلى مرحلة أن يعمل مساعد مصمم في محلات الكمبيوتر وهي مرحلة متقدمة جداً ربما يعجز عنها كثير من طلاب التعليم العام، واستدرك زكي مبيناً ان نجاحه هذا جاء كونه اعتاد أن يمنح الفرصة لطلابه للتجربة والخطأ، حتى أظهر الكثير من مواهبهم. المشاكل السلوكية وبيّن اللويم أنّ مادة التربية الفنية يمكن أن تكون علاجا لبعض مشاكل الطلاب الصحية، وكذلك علاجا للمشاكل السلوكية، لا سيما المعاق ذهنياً الذي يعاني من تشتت في الذهن خلال دراسته المواد العادية، إلاّ أن الطالب ذاته تجد منه قبولا واستمتاعاً مع الألوان والجبس والأعمال المهنية بشكل عام، وهنا يمكن توجيهه سلوكياً عبر الفن، فيمكن إلزامه بجلسة معينة وتوجيه ذهنه إلى لون معين، وهكذا نقضي على حالة الشغب فنحولها إلى طالب منتج فنياً، كما تكسبه مهنة في حياته، مؤكداً أنّه ومن خلال الممارسة اتضح أنّ طلاب الفكرية ليس لديهم توجه للدراسة الذهنية، فيما تجدهم متوجهين للأعمال المهنية أو الحسية، ومن ذلك أنه قد لا يحفظ الأرقام المجردة، لكنه يحفظها حينما تربط بالألوان أو بالأقلام. وأضاف إنّه يجب على معلمي التربية الخاصة التنبه إلى ضرورة عدم الغفلة عن الطالب، وذلك لكون الغفلة قد تسبب مشكلة له أو لزملائه أو حتى المعلم، داعيا إلى عدم فتح المجال لهم لممارسة جميع أنواع الأعمال الفنية، كون كل طالب له خصوصية في نوعية العمل الذي يمكن أن يمارسه، ويمكن إعطاء الطالب الفرصة بمشاركة معلمه بمساعد للمعلم، ثم يتدرج حتى يتمكن. متعة وفائدة وذكر حسين الهديبي -طالب تربية فكرية- انّه تعلم من معلمه زكي اللويم كيف يقوم بالصبغ بالفرشاة، وكيفية وضع معجون الجدران وعلى الخشب، ويقول انه يشعر بالاستمتاع وهو يعمل لأول مرة. فيما كشف وديع الناصر -طالب تربية فكرية- أنّ الأستاذ زكي صنع منه طالباً مميزاً في الأعمال الفنية، ولم يكن كذلك من قبل، ويحرص وديع على المشاركة وبفن في جميع أعمال كالتلوين والرسم وصبغ الأبواب وغيرها. من جهته امتدح محمد الحداد -طالب تربية فكرية- معلمه زكي بكونه صبوراً معهم، ويعطيهم مجالا للتجربة في كل الأعمال، إلى جانب أنّه كريم معهم يعطيهم هدايا كثيرة؛ مما يجعلهم يحبونه كثيرا ويرغبون العمل معه. جهد يومي وأشار محمد بن خليفة الصالح -قائد مدرسة القارة المتوسطة بالأحساء- بتجربة زكي اللويم وتوظيفه للجانب الفني في علاج طلاب التربية الفكرية بالمدرسة، لافتاً إلى أنّه ملك حساً فنياً رفيعاً، وأبدع في عمله حتى نال جائزة عبدالوهاب الموسى للتميز، وتلقت المدرسة إشادة من وزارة التعليم ومن قسم التربية الخاصة بتعليم الأحساء، وجهده اليومي واضح، ومهنيته عالية حتى غير الصورة النمطية المأخوذة عن طلاب التربية الخاصة، فأصبح طلابه منتجين بما ينفعهم في مستقبلهم. إبداع متجدد واعتبر أسامة أحمد النعيم -مشرف تربوي للتربية الفنية- أنّ زكي يعد أحد أميز المعلمين في محافظة الأحساء، مبيّناً أنّ تعامله مع طلاب الفكرية وعد إشعارهم بوجود أي فوارق بينه وبينهم جعله محبوباً جداً عندهم، فولد ذلك حالة من الإبداع لديهم، بل إنّ الأمر أبهر حتى المتخصصين في التربية الخاصة، مثنياً على مشاركته المتميزة مع القسم وإدارة التعليم في كافة المعارض، وحرصه على تجديد ما يقدمه من أعمال فنية وأفكار فهو متجدد دائماً.