تؤكد الوثيقة التي أُطلقَ عليها اسم «مستقبل أمن الدولة الإسرائيلية» على حتمية إجراء تغييرات جذرية في خريطة الشرق الأوسط، وهذه التغييرات تتطلب من وجهة نظر تل أبيب توجيه ضربة عسكرية قوية ضد إيران، على أن تأتي هذه الضربة العسكرية متزامنة مع اجتياح الجيش الإسرائيلي للأراضي السورية، لتضم إليها مساحات جديدة من أراضي سوريا بجانب مرتفعات الجولان، تعويضاً عن الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة، والضفة الغربية التي ستنسحب منها إسرائيل مجبرة انسياقاً مع الرغبة الأمريكية المطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية الذي يتطلب قيامها رسم حدود إسرائيل. أعد هذه الوثيقة «الموساد» جهاز الاستخبارات الإسرائيلي واشترك معه خبراء عسكريون تحت رئاسة وزير الدفاع شاؤول موفاز، الذي أعلن بأن هذه الوثيقة تتقابل مع أهمية إقامة الوطن اليهودي الكبير الذي يلزمها بإقامة إسرائيل الكبرى بالأرض الواسعة التي تشكل إقليمها، والتمتع بالنفوذ القوي الذي يحكم إقليم الشرق الأوسط من خلال السيطرة على كل جيرانها من عرب وعجم. اعترضت تركيا على تنفيذ هذه الوثيقة الإسرائيلية لأن تطبيقها على أرض الواقع يضر بأنقرة بجعلها تابعة لتل أبيب فأسرعت واشنطن إلى إقناع تركيا بأن التوسع الإسرائيلي في الأرض لن يشمل أراضيها بما في ذلك لواء الاسكندرون السوري في أصوله الذي تسيطر عليه تركيا وتخضعه لسيادتها، وأن نفوذ تل أبيب السياسي المستند إلى قدرتها العسكرية المتفوقة لن تخضع له أنقرة لوجود حلف عسكري بين تركيا وإسرائيل قامت بصياغته واشنطن، ولأن كلاهما يعمل تحت مظلة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أنقرة بعضويتها في حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، وتل أبيب باعتبارها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. غير أن تركيا تشعر بالخطر الإسرائيلي عليها، من واقع التجربة الأمريكية السابقة التي تمثلت في التضحية بإيران الدولة العضو في حلف جنوب شرق آسيا «السانتو» وإطاحة واشنطن بالشاه من على عرش إيران لاعتراضه على انفراد إسرائيل الكاملة بإقليم الشرق الأوسط.. ويقول العقلاء من الأتراك في داخل البرلمان وخارجه لا يوجد ما يمنع أمريكا من التضحية بتركيا، من أجل «سواد عيون إسرائيل» التي تأتي سيطرتها على إقليم الشرق الأوسط جزءاً من الاسراتيجية الأمريكية في محاربة الإرهاب، الذي يستوطن بحديث الإفك الأمريكي في الأوطان العربية المسلمة. هذا الفهم الأمريكي الخاطئ للإرهاب الذي يخلط بين العدوان على الغير «الإرهاب»، وبين الدفاع عن الوطن «الكفاح»، دفع إسرائيل بتحريض من أمريكا إلى وصف إيران في الوثيقة الصادرة من الموساد، بالمركز للإرهاب الإسلامي في منطقة الشرق الأوسط، لأن الكفاح الذي يمارسه «حزب الله» بمرجعيته الإيرانية ضد الوجود الإسرائيلي في الأرض العربية بمرتفعات الجولان السورية، وبقطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينية، وبمزارع شبعا اللبنانية. تقول وثيقة مستقبل أمن دولة إسرائيل إن المركز الإرهابي الإسلامي القائم في إيران يشكل خطراً كبيراً على إقليم الشرق الأوسط، ويزداد هذا الخطر الإيراني بامتلاكها للسلاح النووي الذي يجعلها تتحدى المجتمعات الديمقراطية المتحضرة، وهذا يفرض المبادرة بضرب إيران حتى يقضى على سلاحها النووي الذي تهدد به أمن وسلامة الإقليم حتى يعاد تشكيل الدولة الإيرانية بما يتفق مع خارطة الشرق الأوسط الجديدة، وبالتالي يستحيل على طهران أن تشكل خطراً على إسرائيل حتى تتمكن من القيام بأدوارها القيادية فوق المسرحين الإقليمي والدولي بمشاركتها للولايات المتحدةالأمريكية في محاربة الإرهاب الدولي. تتحدث وثيقة مستقبل أمن الدولة الإسرائيلية من ناحية أخرى عن ضرورة توطين اليهود الوافدين إليها من روسيا ومن الدول الأوروبية المختلفة في الأراضي السورية التي سيتم استقطاعها منها وتحويلها إلى جزء من المجال الاقليمي الإسرائيلي الذي يقابله تقزيم سوريا للقضاء على قدرتها في إثارة المشاكل في إقليم الشرق الأوسط التي يتعذر معها الوصول إلى السلام به والاستقرار فيه. تعترف وثيقة مستقبل أمن دولة إسرائيل أن الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل اسقاط النظامين القائمين اليوم في طهران ودمشق للقضاء على الإرهاب المستوطن بهما وتصديرهما له في كل الاتجاهات لتهدد به كل دول العالم، وأعلنت الوثيقة بلسان رئيس الوزراء أريل شارون بأن اسقاط النظامين في إيران وسوريا لن تتردد من أجله إسرائيل في استخدام القوة النووية ضدهما، وأن تل أبيب آخذة في الاعتبار احتمالات الرد النووي الإيراني، الذي سيتعذر على طهران اللجوء إليه بعد أن تدمره إسرائيل بالكامل بضربته الأولى لإيران، وتؤكد الوثيقة أن الدول العربية لن تتدخل لإنقاذ سوريا من الاجتياح الإسرائيلي لها، وتستدل على ذلك بعدم تدخل الدول العربية لإنقاذ العراق من الاجتياح الأمريكي - البريطاني له، وهي سابقة تعطي المؤشر بتكرارها في سوريا اليوم، وفي غيرها من الدول العربية في الغد، وهذا الاستدلال الذي جاء في وثيقة مستقبل أمن دولة إسرائيل، يفضح نية تل أبيب العدوانية ضد كل الدول العربية على مراحل زمنية تؤدي في نتائجها إلى تقزيم الدول العربية، أما بسرقة أجزاء من أراضيها لتضم إلى إسرائيل، وإما بتقسيم إقليمها إلى عدة دويلات وإما بالاثنين معاً، ويترتب على هذا التقزيم للدول العربية عملقة إسرائيل لتنفرد بالسلطة المطلقة في إٍقليم الشرق الأوسط. تستند الوثيقة في تحليلاتها إلى عدم وجود اتفاق عسكري بين الدول العربية يلزمها بالتحرك العسكري لحماية دولة عربية من العدوان الخارجي عليها، وأن جامعة الدول العربية تفتقد إلى القدرة على تحريك جيوش عربية ضد إسرائيل، وأن روسيا بروابطها الحميمة مع إيران وسوريا بسبب صفقات الأسلحة المبرمة معهما، لن تتحرك عسكرياً ضد إسرائيل حتى لا تتورط في مواجهة عسكرية سافرة ومباشرة مع أمريكا، وإنما ستلجأ موسكو إلى مجلس الأمن لحماية طهران ودمشق من عدوان تل أبيب عليهما بإصدار قرار بوقف إطلاق النار وعودة إسرائيل إلى أراضيها وإنزال العقوبات عليها، ويؤكد الموساد على أن كل ذلك لن يحدث لأن الدولة الصديقة «أمريكا» ستتولى حماية إسرائيل باستخدم حقها في الاعتراض «الفيتو» في داخل مجلس الأمن، فلا يصدر قرار بوقف إطلاق النار أو بعودة إسرائيل إلى أراضيها، أو بإنزال العقوبات عليها، ولن يؤدي اعتراض الدول الأوروبية على حماية أمريكا لإسرائيل إلى تبديل نتائج الضرب لإيران والاجتياح العسكري لسوريا. تقرر وثيقة مستقبل أمن دولة إسرائيل بأن تل أبيب لا تقوم وحدها بالعمل على اسقاط نظام الحكم في طهران ودمشق وإنما تشاركها في هذا العمل الولاياتالمتحدةالأمريكية بصورة خفية حتى لا يصطدم البيت الأبيض في واشنطن مع الرأي العام في الشارع الأمريكي الذي يرفض الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط أو في غيره من الأقاليم بعد تورطه في المستنقع القتالي بالعراق، وفضح الوثيقة الإسرائيلية للدور الأمريكي ضد إيران وسوريا لحماية أمن إسرائيل، قد زاد من ثورة الجامعات والأمهات في أمريكا ضد البيت الأبيض، وأعلنوا فلتذهب إسرائيل إلى الجحيم ولا شأن لنا بالصراعات القائمة بين دول إقليم الشرق الأوسط.