أخيرا.. اكتشف العلماء سبب كون مادة "تي ان تي" الشديدة الانفجار عالية السمية بالنسبة إلى النبات فيما يعتزمون استغلال هذه الخاصية في معالجة مشكلة تطهير كثير من المواقع في شتى أرجاء العالم الملوثة بهذه المادة الناسفة الشائعة الاستخدام. وقال الباحثون أمس الأول إنهم اكتشفوا انزيما في النبات ذا قدرة على التفاعل مع مادة (تي ان تي) الموجودة في التربة بالأماكن الملوثة بها وهي المادة التي يمكنها إتلاف خلايا النبات وإهلاك مختلف المزروعات كما تجعل البيئة قاحلة جدباء. وقالوا إنه يمكن الاستعانة بالطرق التقليدية في تربية النبات لإنتاج نباتات مثل النجيل يمكن أن يخلو من هذا الانزيم ليصبح ذا مقاومة شديدة ضد مادة (تي ان تي)، ويمكن عندئذ إعادة زراعة مثل هذه النباتات في التربة الملوثة لازالة هذه المادة من البيئة المحيطة بالنبات. وقال نيل بروس استاذ التكنولوجيا الحيوية بجامعة يورك البريطانية المشروف على هذه الدراسة التي وردت في دورية (ساينس) "مادة (تي ان تي) المتفجرة ليست سامة للنبات فحسب بل للحيوانات والميكروبات والحياة البحرية أيضا". وأضاف "توجد مساحات كبيرة من الأراضي الآن ملوثة بالمتفجرات وثمة حاجة ملحة لإيجاد حلول مستديمة زهيدة التكلفة لاحتواء هذه الملوثات بالمناطق الملوثة بها، ولدى النبات مثل هذه القدرة إذا أمكننا الحد من مشكلة السمية". وتستخدم مادة (تي ان تي) كمادة شديدة الإنفجار منذ أكثر من قرن وتم تصنيع كميات هائلة منها واستخدمت بالفعل ما أدى إلى تلويث ميادين التدريب على الرماية العسكرية ومواقع نفايات التصنيع والمناجم ومناطق الحروب والصراعات، وتقاوم هذه المادة التحلل بفعل الميكروبات وتظل في التربة عقودا من الزمن. وقالت ليز ريلوت استاذة علوم الأحياء بجامعة يورك "تشير التقديرات الى انه في الولاياتالمتحدة نحو 24 مليون فدان من المناطق العسكرية الملوثة بمكونات الذخائر يحتوي معظمها على مادة (تي ان تي)". وتترسب مادة (تي ان تي) في جذور النبات ما يؤدي الى تثبيط عمليات النمو والتكشف أو تخصص الخلايا لأداء الوظائف الحيوية المختلفة. وتوصل الباحثون –الذين كانوا يعملون على نبات صغير مزهر اسمه العلمي (ارابيدوبسيس ثاليانا) الشائع في مختبرات الأبحاث- إلى أن عينات من النبات بها طفرة جينية معينة قادرة على النمو والازدهار في التربة الملوثة بمادة (تي ان تي) أما النباتات التي تفتقر الى هذه الطفرة فانها تصارع الهلاك. ويتحكم هذا الجين في انزيم يعيد تدوير فيتامين (ج) في مكونات خلوية تسمى ميتوكوندريا وهي المسؤولة عن امداد الخلية بالطاقة، ويحول هذا الانزيم مادة (تي ان تي) إلى مركب أكثر سمية يتلف الآليات الخلوية للنبات أما النباتات ذات هذه الطفرات فانها تنتج نسخة غير فعالة من الانزيم ما يوقف عمل سمية مادة (تي ان تي). يقول الباحثون إن النبات المستخدم في التجربة صغير الحجم للغاية بحيث يصعب استخدامه في المواقع الملوثة بمادة (تي ان تي) لكن يمكن انتاج نباتات بوسعها الاحتفاظ بهذه الخاصة الفريدة المقاومة لمادة (تي ان تي) وذلك في غضون خمس سنوات.