يعكف النظام السياسي التركي على مقاضاة الروائي التركي اورهان باموق. التهمة التي رفعها المدعي العام التركي، تفيد بأن باموق، صرح لإحدى الصحف السويسرية قبل اشهر، بأنه، «قتل مليون ارمني في تركيا، وأن لا أحد من الأتراك يجرؤ على الاعتراف بذلك سواي». سواي، هذه، اثارت الدنيا على رأس باموق، ابن المدينة الأشهر في تركيا، اسطنبول. وأشهر روائي تركي في العالم. فقد ترجم باموق لغاية اليوم الى حوالي 30 لغة. وهو معروف في اوروبا وأميركا والشرق الأدنى والبلدان الناطقة بالإسبانية اكثر من اي تركي، حتى لو كان هذا التركي رئيس الجمهورية. بالمناسبة، من يعرف اسم رئيس الجمهورية التركية، ربا لا احد غير المهتمين بالوضع التركي، او الذين لهم مصالح فيها. اذ المعروف هو رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية عبدالله غول. والسبب في اوروبا هو المفاوضات الجارية لإنضمام تركيا الى الاتحاد، لتصبح دولة اوروبية، لتصبح اكبر دولة اسلامية في اوروبا. هذه المفاوضات جعلت من الشخصين مشهورين في اوروبا. ومع ان تركيا دولة اسلامية، فإن اوروبا غير معترضة على دخولها الى دول الاتحاد لهذا السبب. بل ان السبب الرئيس خلف الإعتراضات الأوروبية، هو، حقوق الإنسان في تركيا، وإلغاء عقوبة الإعدام، والاعتراف التركي بالمجزرة التي ارتكبت بحق الأرمن الأتراك بين الأعوام 1885 و1919، والتي كان اشدها صفاقة بين الأعوام 1915 و1919. حيث هجر وقتل اكثر من مليوني ارمني من سكان الأناضول وأزمير وأضنة حتى حافة جبال آرارات التي يقال ان فلك نبينا نوح (عليه السلام) موجود في تخومها الشمالية. مشكلة الأتراك مع باموق، ان الأخير صريح جداً، ومدافع عن حقوق الإنسان، ومجاهر بأفكاره التي تتضمنها رواياته، خاصة، رواياته الأخيرة (ثلج) الصادرة مؤخراً عن دار الجمل العراقية الألمانية بنسختها العربية. وتضمنت من ضمن ما تضمنت، أفكارا جريئة جداً حول مشاكل الشرق الأوسط، والفصل بين الدين والدولة، والفقر، وبروز عوامل التحديث التقني والفكري، الى الصدام بين الإسلام الراديكالي وأيديولوجيات العالم الغربي كافة. وهو كان قد عبر عن هذه الأفكار في رواياته السابقة مثل، (اسمي أحمر) وغيرها.. الخ. في الفترة الأخيرة، كان باموق من ابرز المرشحين لنيل جائزة نوبل، ولكنه بدل ان ينالها، حصل على جائزة السلام التي تمنحها دور النشر الألمانية في معرض فرانكفورت للكتاب. وهذه الجائزة وحدها تشكل في مغزاها وبعدها الرمزي ادانة تامة للمدعي العام التركي الذي يعمل على محاكمة باموق بتهمة الإساءة الى السياسة التركية والثقافة التركية والمجتمع التركي. وفي حال تمت محاكمته ستصل العقوبة الى السجن لمدة ثلاث سنوات، اذ سيمكث باموق في احد السجون التركية طوال هذه المدة. ومن الممكن ان يذهب الى ذلك السجن، الذي يقبع بداخله المعارض الكردي عبدالله أوجلان الذي لم تتمكن تركيا من تنفيذ حكم الإعدام به، لأن طموحات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي اقوى بكثير من الرغبة بالانتقام منه. وربما اقوى بكثير من رفض الأتراك اعطاء الأكراد حكماً ذاتياً يخضع سياسياً الى مزاجيات الإدارة التركية. وبعيداً عن مشاكل تركيا السياسية الكثيرة والمتعددة، فإن قضية، أورهان باموق، بحاجة، الى مرافعات وكتابات ومدافعات من كتاب العالم، لأجل الغاء هذه المحاكمة، فلا يصح، ونحن نحارب من اجل الحق في التفكير وممارسة التفكير، ان يحاكم واحد من اشهر روائيي العالم لمجرد انه قال كلمة حق في التاريخ. وهو قال مدافعاً عن نفسه في حفل تسلم جائزة السلام في فرانكفورت، قبل يومين، «ان الفرق كبير جدا بين ان ينتقد المرء نقائص الدولة التركية على مستوى الديمقراطية، او ان يرصد عيوباً في نظامها الاقتصادي، وبين ان يهين الثقافة التركية بأكملها». إذاً، هو لا يعتبر نفسه قد اهان الثقافة التركية، التي هي ثقافته، وإنما قال كلمة جوهرية في تاريخ تركيا الذي عليه ان يصحح. فلولا العرب يومذاك، لكان المهاجرون الأرمن قضوا جميعهم في البادية السورية، فقد استقبل العرب الأرمن على اساس ان رفع الظلم عن الإسلام هو من شيم العرب ومن تقاليدهم الاجتماعية وتصب في تنفيذ وصايا الدين الإسلامي.