النصر يفوز بصعوبة على الرياض بهدف ساديو    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    بالاتفاق.. الهلال يستعيد الصدارة    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    ضبط إثيوبيين في ظهران الجنوب لتهريبهما (51) كجم حشيش    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    لحظات ماتعة    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسلسل « تحت السيطرة » .. صراع الخوف وانتصار الوعي
مشاهدوه مدمنون أيضاً!
نشر في الرياض يوم 25 - 08 - 2015

إن نجاح تجربة السينارسيت مريم نعوم مع الممثلة نيللي كريم في مسلسلي "ذات" و"سجن النسا" من جهة، ونجاح تجربة المخرج تامر محسن في مسلسل "بدون ذكر أسماء" مع الكاتب وحيد حامد من جهة أخرى، على المستوييْن الجماهيري والنقدي، كان سبباً قوياً بالنسبة إلى كثيرين لمتابعة مسلسل "تحت السيطرة"، الذي كان يعمل عليه كل من المخرج تامر محسن والكاتبة مريم نعوم منذ خمس سنوات على حسب تصريح صحفي لبطلة المسلسل نيللي كريم.
لا شك أن المسلسل جريء في تناوله لقضية الإدمان بطريقة غير تقليدية، فهو يحاول التركيز عليه كمرض يصيب الإنسان-مع اختلاف أسباب الإصابة- مع التوعية بأهمية الوعي الفردي وإرادة الشفاء، بالإضافة إلى دور العائلة والمحيط في دعم المدمن في رحلة التشافي. الجديد في التناول والطرح كان في تسليط الضوء على معاناة المدمن وعلى صراعه مع نفسه -التي هي عدوّه في حالة الإدمان- وعلى مونولوجه الداخلي الذي يُغذّي ويهيئ البذور التي تجعله فريسة للإدمان، على عكس ما نراه في الدراما عادة من التركيز على آثار الإدمان وأضراره -بكافة أشكالها- على الفرد والمجتمع.
من أهم ملامح الصراع التي يمرّ بها المدمن والتي يعرضها المسلسل هي الاستيجما أو الوصمة التي يصمُه بها المجتمع وتُطارده يومياً وإلى نهاية حياته. هي ذات الوصمة التي طاردتْ مريم في المسلسل واضطرَتْها لخوض حرب مع طليقها للاحتفاظ بحضانة ابنتها، وهي نفس الوصمة التي منعتها من مُصَارَحة زوجها وإخباره عن تاريخها مع الإدمان. من أهم ملامح معاناة المدمن التي يُسلّط المسلسل الضوء عليها أيضاً هي خوف الآخرين، بل وأقرب الأقربين، منه وشعورهم بالغربة عنه بسبب تصرفاته التي لا يحكمها سوى إشباع رغبة التعاطي. والغربة التي يشعر بها أهل المدمن تجاهه مفهومة وقد طرحتها الكثير من الأعمال الدرامية من قبل، إلا أن الغربة التي يعانيها المدمن تجاه نفسه ومحيطه لا تقلّ قسوة ولا شراسة، وهو ما حاول العمل أن يظهره في جميع شخصيات المدمنين تقريباً.
وقد وقع المسلسل في مرات ليست بالقليلة في فخ المباشَرة والوعظيّة الساذجة في بعض الأحيان، هذا عدا الرِتم البطيء للحلقات في المنتصف الأول، وبناء بعض الشخصيات غير المُحكَم -مثل شخصية شيرين التي لعبَتْها جيهان فاضل والتي لم تُبدِ أي ردة فعل جديّة لاسترداد ابنتها حينما هربتْ من المنزل بالرغم أنه ظهرتْ في الحلقات الأولى كأم مهووسة تخنق ابنتها بالحماية الزائدة، فرَدّ الفعل المنطقي لأم كهذه هو إبلاغ الشرطة على أقل تقدير وهو ما لم نره-، فضلاً عن الحَلَقَات المفقودة في سياق الأحداث -فعلى سبيل المثال غابت شيرين -جيهان فاضل- فترة طويلة عن الأحداث في الحلقات القريبة من الأخيرة بالرغم أن التركيز كان بشكل كبير على الخط الدرامي لهانيا -ابنتها في المسلسل- وزوجها علي-.
على الرغم من هذه الهفوات، فإن العمل نجح في عَرَض الإدمان كمَرض كأي مرض عضوي يصيب الفرد الذي لديه قابلية -بيولوجية ونفسية- للإصابة به. وهذه القابلية تتجسّد في بعض السمات الشخصية للمدمنين أو مَن لديهم قابلية للإدمان؛ كالطاقة الحركية المفرطة، وغياب الشعور بالانتماء لمكان أو محيط أو مجموعة، والحركات العصبية اللاإرادية -وقد رأيناها بشكل ملحوظ في لغة مريم الجسدية-، وسيطرة الوسواس القهري، وتدنّي-أو انعدام- الشعور بتقدير الذات، وانعدام الشعور بالأمان وغيرها.
إن التوعية بأهمية المُكاشَفة والمواجهة كجزء لا يتجزأ -بل وجوهري- في عملية التعافي، تتطلّب جرأة كبيرة في مجتمعاتنا، خاصة أن هذه التوعية تمت من خلال عمل درامي. فلابدّ أن نعترف أننا كمجتمعات نحتقر المدمنين ونعتبرهم -على أقل تقدير- فئة مقرفة نحاول الابتعاد عنها قدر الإمكان، بدلاً من اعتبارهم فئة تستحق الدعم والرعاية أكثر من أي شيء آخر. وكانت رسالة العمل واضحة في هذا الصدد، فتخبئة الرؤوس في التراب وعدم الاعتراف بالإدمان والتصالح مع واقع معاناته المستمرة هو جزء من الانتكاس والرجوع إلى نقطة الصفر. فالمواجهة وتحمّل عواقبها هي أول مراحل التعافي، وهذا ما يحاول أن يؤكدّه العمل من خلال تجربة مريم التي انتكسَتْ لأنها أخْفَت عن زوجها حقيقة تاريخها مع الإدمان، فلم يتقبّل أنه لم يعرف شيئاً بهذه الأهمية عن حياتها واعتبَرَها خيانة لثقته، ورفض أن يغفر لها بل وقرّر معاقبتها على ماضيها الذي أشعره بالغربة عنها. وكأن العمل، بتركيزه على ضرورة المُكاشَفة وتعرية الحقائق، يُمْسِك بجذور مشكلة الإدمان، التي تنشأ من الرغبة في الهرب من مواجهة مشاكل الفرد الحقيقية والرغبة في الاختباء تحت غطاء المخدّر بغض النظر عن نوعه. وإذا كان المسلسل يعرض مشكلة إدمان المخدرات بشكل خاص، إلا أنه نجح في إثارة الكثير من الأسئلة عن ماهيّة الإدمان بالمعنى الوجوديّ الواسع، وعَرَضَ بعض أنماط الإدمان التي لا تُصنّفها مجتمعاتنا كإدمان -إدمان زوجة حاتم الثانية على عمليات التجميل على سبيل المثال-، فقط لأنها غير مرتبطة بالمساحيق البيضاء أو الحُقَنْ! وبهذا يكون العمل قد اخترق عُمق مفهوم الإدمان وأظْهَرَ مدى ارتباطه بنمط تفكير الفرد وسلوكه اليومي.
كتبتْ إحدى المصريات عَلى صفحتها على فيسبوك أنها وبالرغم من حالة الكرب التي يُصيبها بها المسلسل لا تستطيع مقاومة مشاهدته. وقد لفتَتْني ملاحظتها لأنها جعلتْني أدرك أن المسلسل قد نقل للمشاهد حالة الإدمان بحذافيرها، فإذا بالمشاهِد كما المُدمِن تماماً "مش عاوز بس مش قادر"، وحالة الإدمان التي يوقعَك فيها العمل، لا تقتصر على جانب واحد، بل هي على أكثر من مستوى، فمن جهة أنتَ مدمن على أحداث المسلسل وتطورات شخصياته، ومن جهة أخرى أنتَ مُدمِن على الإثارة التي تُولَد من فكرة الانفتاح على جميع الاحتمالات والتنقّل بين الأضداد المختلفة في لحظة. لحظة لاهِثة وهي الفاصلة بين الوقوع في فَخ الإدمان والنجاة منه، بين الاستجابة لنزوة النَفْس والنجاح في مقاومة إلحاحها.
وبإيصال المُشاهِد إلى حالة المُعايَشة هذه، يكون العمل قد نَجَح في الارتقاء بمفهوم التعاطف مع المُدمِن ليتجاوز الشعور بالشفقة أو حتى الرحمة إلى الشعور بالتوحّد معه، وإن كان المدمن يمثّل الصورة الأبشع للخوف من الضعف البشري. الخوف الذي يسكُننا كما يسكنهم تماماً، لكننا لا زلنا قادرين على إحكام أقنعتنا والسيطرة عليها، على عكس أولئك الذين تعثّرتْ أقدامهم ففقدوا "السيطرة" وسقطوا في حفرة كنّا على مسافة أنملة من الوقوع فيها!. وهذا يُعيدنا إلى مونولوج المشهد الأول حيث تُخاطِب مريم نفسها قائلة: "بخاف من حاجات كتير. تغيير المكان أو الزهق من نفس المكان. الوحدة. الزحمة. السكوت والدوشة. بخاف من الحاجة وعكسها واللي بينهم. اللي مش بيخوفني عمَّال بيقّل. الخوف بقى سارح جوايا مع الدم. وأكتر حاجة بخاف منها خوفي. كارهاه قوي قوي. مش عارفة أهرب منو فين".
إذن المدمن كائن مذعور من فكرة وجود الخوف داخله وتنازُعه على أنفاسه، فالخوف من الضعف هو ما يُذعره بداية، والخوف من الخوف، من سيطرة الخوف، هو ما يُحرّكه على طول الخَط ويدفعه إلى فعل أي شيء يُسيطّر به على ذلك الخوف المزدوج، وإذا به يعود إلى نقطة الصِفر مجدداً، حيث يُحدّق فيه الخوف ويُحاصره من كل جانب!.
يلزم التنويه إلى رسالتين واضحتين وجوهرتيْن يبعث بهما العمل؛ الأولى هي نشر الوعي بوجود جهات غير ربحية تعمل على دعم المدمنين على أرض الواقع. وكانت الإشارة إلى زمالة المدمنين المجهولين في نهاية التتر مهمة جداً في الإشادة ودعم جهود جمعيات مماثلة في العالم العربي، خاصة وأن دورها يختلف تماماً عن دور المصحّات النفسية. والثانية تجسّدتْ في المشهد الأسطوري - من ناحية الأداء الفني والمَشهدية الإخراجية- للممثل ماجد الكدواني والالتماعات الدرامية القويّة التي حَكَتْ عن تجربة تعافي مدمن، واللحظة التي دَفَعَتْه إلى "التبطيل" حينما نسي باب الحمّام مفتوحاً وشاهده ابنه وهو يحقن نفسه بالهيروين. إنها لحظة رؤية المدمن نفسه بعيون الآخر وإدراكه لحالة الذل والهوان التي يضعه المخدّر -مهما كان- فيها. لحظة الوعي هذه هي اللحظة الفاصلة في حياة المدمن؛ بين اختيار عيشة الهوان وإنهاء نفسه عقاباً عَلى هذا الخيار، وبين اختيار نفسه وتطهيّرها بالوجع لإنهاء هوان الإدمان إلى غير رجعة!. كُلٌ كانت له أسبابه الخاصة لمتابعة مسلسل "تحت السيطرة"، والتي بالتأكيد كان من ضمنها عنصر التشويق الذي كانت حلقات المسلسل -المنتصف الأخير منها على وجه التحديد- مشحونة به. لكن ربما كان السبب الخفي الأكبر هو تتبُّع خيط صراع الإنسان مع الخوف إلى نهايته، فكلنا مهما زَعَمنا واستكبرنا نتلهّف إلى معرفة أسرار التعامل مع خوفنا البشري. كما أننا نودّ تذكير أنفسنا أننا نحتاج إلى تقبّل وجود الخوف داخلنا، وإعادة توجيهه ليصبح دافعاً للاستمرار، فاستمرار الصراع مع الخوف هو مؤشر حقيقي على الرغبة في الاستمرار رغماً عن وجوده، كما أنه علامة على الإصرار على حقنا في حياة طبيعيّة وسويّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.