وزّعت وكالة (ي ب أ) خبراً يقول في متنه، أن امرأة أفغانية في الخامسة والعشرين من العمر «عثر على جثتها داخل منزلها في هيرات، وعليها آثار ضرب شديد، مع وجود جروح في رأسها». الخبر عادي، فكل يوم يقتل الكثير من البشر في العالم. وفي منطقتنا، أي في فلسطين والعراق، لم يتوقف حمام الدم منذ ما يزيد على أربعة أعوام كاملة. ولكن القتل الذي يتم بطريقة جماعية ربما أهون من وجود امرأة مقتولة في صحن منزلها ؟ أقول ربما دون أن أجزم. وفي وقت أن قصة القتل في بلادنا مختلفة، وهي تتم بدافع مقاومة شرسة في فلسطين من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية. فإنها في العراق تتم لألف سببٍ وسبب. غير أن ما أعرفه ومقتنع به، أن ما يسمى (مقاومة عراقية) لم تصل في عرفي ومفهومي لمعنى المقاومة الذي كانت قد وصلت إليه حركة المقاومة الفيتنامية ضد الغزو الأميركي لبلدها في ستينيات القرن الماضي. وربما في الإزادة إفادة، فقد أجبرت عائلة الطفل الفلسطيني (نشرت الخبرالرياض عبر صدر الصفحة الأولى يوم الثلاثاء) أحمد الخطيب رئيس الوزراء شارون على الاتصال بها والاعتذار عن مقتل الطفل أحمد صبيحة يوم عيد الفطر. لأنها، أي العائلة قررت وهب أعضاء ولدها الشهيد إلى طفل إسرائيلي بحاجة إلى أعضاء لكي تستمر حياته. وعلى الأرجح فإن هذا الفعل الذي اتخذته العائلة يوضح مدى رغبة الفلسطينيين في الوصول إلى السلام، ورغبتهم أيضاً في الابتعاد عن القتل. ففي مقابل الطفل الذي قتل غيلة برصاص إسرائيلي منحت الحياة إلى طفل إسرائيلي على أنقاض حياة الطفل الشهيد. مقتل المرأة الأفغانية مختلف. فقد قتلت ناديا أوجمان، ليس لأنها تقاوم الوجود الأميركي في أفغانستان، ولا لأن زوجها عثر عليها وهي تخونه مع رجل آخر، ولا لأنها قصرت في تربية الأولاد، أو عجزت عن تحمل مسؤولياتها كزوجة في مجتمع محافظ ميال إلى الانغلاق. ولا لأنها رفعت لواء الدفاع عن حقوق النسوة الأفغان ضد السلطة المطلقة التي يمنحها المجتمع للرجل، ولا لأنها طالبت بالتخلي عن الحجاب كدعوة من أجل التمتع بالسفور، ولا لأنها حفرت في باحة منزلها حفرة من أجل تحويلها إلى بركة للسباحة (كانت حركة الطالبان الأصولية المتشددة قد هدمت المسبح الوحيد في العاصمة الأفغانية يوم كانت هي المتسلطة على رقاب العباد). ولا لأنها زادت الملح في طعام الزوج أو طالبت بفتح مطعم للهامبرغر في بلدها، ومن المعروف أن ماكدونالد لم يفتح لغاية اليوم أي فرع له في أفغانستان. هذه المرأة الشابة، التي تدرس في جامعة هيرات. قتلت ببساطة، بحسب ما اعترف الزوج، لأنها تكتب الشعر. ويفيد خبر الوكالة، بأن ناديا أوجمان، الطالبة في الجامعة والمتزوجة من رجل من بني جنسها، أصدرت قبل أن تقتل بوقت قصير، أول ديوان شعر باسمها دون أن تذكر الوكالة عنوان هذا الديوان. وأن لها الكثير من المعجبين في أفغانستان وإيران. وأن الزوج قتلها بعد أن تشاجر معها حول هذه المسألة بالذات لأن كتابة النساء للشعر «تتنافى مع التقاليد الاجتماعية في أفغانستان». ولو لم نكن نحن أمة الشعر، لكنت وجدت أن الخبر عادي، ولا يستحق التأمل. ولكننا أمة الشعر، وبشهادة جميع الأمم في الأرض. ورغم أن الشعر موهبة إنسانية محضة يمنحها الله تعالى لعدد قليل من عباده، إلا أن اللغة العربية، التي أنزل الله فيها كتابه العزيز، لا تزال اللغة الأكثر شاعرية في العالم. ويعترف الألمان والفرنسيون بذلك رغم أنهما من أكثر الشعوب غير العربية التي تتعاطى الشعر وتتناوله في حياتها اليومية. ومنع إنسان من استغلال الموهبة التي حباه الله بها من استخدامها يعتبر بمثابة الكفر. والإسلام يمنع القتل. فكيف بقتل امرأة لأنها تكتب الشعر. ولا أريد أن أزيد في هذا. إلا للقول بأن تاريخ العرب وحاضرهم مشهور بكثرة النساء الناظمات للشعر، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي التي كتبت أروع أشعار الغزل في تاريخ الشعر العربي. وأنه يوجد في حاضر العرب أكثر من مئة شاعرة مكرسة في الثقافة العربية. وأنه لم يتم في العالم العربي منذ فجر التاريخ والى اليوم، ولا حتى في صدر الدولة الإسلامية حادثة من هذا النوع. وهذا القول ليس دفاعاً عن العرب والإسلام، بل لأن البعض يعتقد بأننا منغلقون اجتماعياً. الزوج الآن يسكن سعيداً في فسيح السجن الذي وضع فيه. وهو ربما بحسب القوانين الصارمة الأفغانية سيحكم عليه بالموت شنقاً لاقترافه جريمة القتل عامداً متعمداً، ولكن اقتراحي للمحكمة، إذا كانت تسمع، أن يحكم عليه بسماع أشعار زوجته القتيلة مدى الحياة وكل ساعات النهار، إذ ربما يكون ذلك سبباً كافياً لأن يكون من القهر على زوجته الفقيدة. ففي القديم قالت العرب. وداوه بالتي كانت هي الداء.