كان متوقعاً أن تترك صفقة الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الاميركية مع ايران آثارها على المنطقة العربية وان نجد آراء المحللين والمتابعين والسياسيين العرب تتذبذب بين معارض ومؤيد ومتخوف من ذاك الاتفاق وان يظهر بين هؤلاء من يتساءل بحرقة وانفعالية : كيف التقت مصالح الدول الغربية اخيرا مع ايران بعد تلك القطيعة الطويلة ؟ وكيف تم تثمير الايديولوجيا من اجل انجاز تلك الصفقة التاريخية والتي تحول فيها من ظل على مدى اكثر من ثلث قرن يوصف برأس (محور الشر) إلى عنصر بناء يعول عليه القيام بدور الشرطي او اللاعب المحوري في المعركة التي تخوضها دول المنطقة مع الجماعات المتطرفة كداعش والقاعدة وغيرهما من الكيانات الارهابية بهذه السرعة القياسية مع ان طهران كانت وحتى الامس القريب من منظور البيت الابيض هي الدولة المارقة التي تُحكم بنظام من رأسين تجمعهما رعونة القفز الانتحاري الذي لا تنفع في تسكينه مهدئات التفاوض او الحوار او عقلانية السياسة ؟ كل ذلك كان متوقعا في ظل احساس الكثير من العرب على ان ذلك الاتفاق لم يكن إلا مجرد مقايضة بين العرب وإيران انتهت لصالح الاخيرة بمجرد ان استشعرت واشنطن والدول الغربية معها ان اكثر من عشر دول عربية دخلت فعليا مرحلة الموت السريري .. لكن ما لم يكن متوقعا هو ذلك الخطاب غير المألوف للرئيس الاميركي باراك اوباما الاسبوع الماضي في الجامعة الاميركية بالعاصمة واشنطن والذي حاول من خلاله تسويق هذا الاتفاق وانتقاد معارضيه بعد ان شعر اوباما بأنه قد دخل في مواجهة مفتوحة مع القوة المعارضة للاتفاق في الكونغرس والتي ترى ان تمرير تسوية بهذا الحجم مع ايران ستسقط ركائز الرؤية الاميركية القائمة على منطق المصالح على اعتبار انها ستكون على حساب مصالح الولاياتالمتحدة مع الجانب العربي ناهيك عن اتفاق كهذا هو من سيدخل اميركا مع عدد من اصدقائها في دوامة صراع العلاقات المتناقضة حيث وما يلفت النظر في خطاب الرئيس اوباما ليس فقط اصراره على ان خيار التفاهم مع ايران والانفتاح عليها والتعاون الاقتصادي معها هو خيار استراتيجي كبير للولايات المتحدة والسلام في المنطقة ولكن فيما عبر عنه من ثقة حيال التغيير الذي سيحدثه ذلك الاتفاق على مسار الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط بما في هذا المنطق من مواربة او تحايل لفظي يخلط بين التمني وبين المنهاج الذي من شأنه تحقيق ذلك الاستقرار. وإذا ما اعتبرنا مثل تلك التصريحات لرئيس اكبر دولة في العالم تندرج في اطار المناكفة والمكايدة مع الآخر الأميركي فتلك مصيبة وإن كانت ليست اكثر من تصريحات علاقة عامة فان السؤال البدهي هو اين هي الرؤية الاستراتيجية التي تعمل في اطارها الدولة التي تقود النظام العالمي الجديد؟ فالحقيقة ان الكثير ممن تابعوا تفاصيل خطاب اوباما وبالذات ما يتعلق منه بالدفاع عن الاتفاق النووي او ما تطرق فيه الى الاخطاء التي ارتكبتها الادارات الاميركية السابقة في المنطقة وتحديدا في العراق قد شعروا انه من عمد الى تجهيل المتلقي وتسطيح وعيه ببساطة يغلب عليها التكتيكي على المبدئي، إذ ان الرئيس اوباما بمثل هذا الطرح والذي لم يتورع عن استخدام مظلوميات العرب من اجل تمرير صفقته لا يجهل انه بمثل هذا الطرح انما كان يقدم التعازي للعرب الذين استفاقوا اخيرا على تخلي اميركا عنهم في حين ان الكثير منهم لم يعد يرى أي شي إلا بالمنظار الاميركي واقلها مفهوم الارهاب الذي عرفته واشنطن وقام العرب بتبنيه عن ظهر قلب. مسار الرئيس باراك اوباما في التسوية مع ايران هو بكل تأكيد ليس خيارا منفصلا عن القرارات الاستراتيجية الاميركية فقد علمتنا التجارب ان هذه الدولة العظمى لا تحب ولا تكره كما ليس لديها اصدقاء فهي من تصوغ علاقاتها على قاعدة المصالح وانطلاقا من هذه النظرية فان الاتفاق النووي مع ايران سيثبت تقاسم النفوذ بين الطرفين فيما سيكون الخاسر الاكبر هم العرب الذين سيجدون انفسهم يسبحون في الفراغ.. وما لم يسارعوا الى احياء مشروعهم العربي بعيدا عن تشنج السياسة والانغماس في الذات القطرية التي حالت دون ظهور هذه الامة بكامل قوتها فإنهم الذين سيغرقون في ذلك الفراغ.