في خطوة تعبر بجلاء عن الرغبة الحكومية في الانفتاح على الإعلام وإيصال المعلومة الصحيحة للمجتمع قطعاً لدابر الشائعات، جاء تعيين متحدثين رسميين لأغلب الوزارات والجهات الحكومية ليتولوا الرد على استفسارات الإعلاميين ويتواصلوا مع الصحافة. وعلى الرغم من أن التجربة أخذت وقتها، إلا أنه يشوبها بعض التقصير في بعض جوانبها مما يوحي بأنها لم تصل إلى مرحلة النضج الكافي، الأمر الذي يخل بعلاقة بعض الجهات الحكومية مع الصحافة، ولا يحقق الأهداف التي من أجلها تم تعيين أولئك المتحدثين الرسميين، مما يترك مسافة بين تلك الجهات وبين وسائل الإعلام التي قد تذهب بعيداً في نشر أخبارها في ظل عدم وجود تفاعل من متحدثي تلك الجهات، الأمر الذي غالباً ما يؤدي إلى ردة فعل سلبية لدى الجهة المعنية بالخبر على الرغم من عدم تفاعل متحدثها مع الخبر قبل نشره. تجاهل بعض الجهات لأسئلة الإعلام ينمّي الشائعات ويؤكد أن لديها ما تخفيه ترى هل نضجت تجربة المتحدث الرسمي؟ وكيف هي علاقة المتحدثين اليوم مع وسائل الإعلام، ولماذا نجحت بعض الوزارات والجهات في تعيين متحدثين خدموها بشكل كبير إعلامياً، فيما أخفقت أخرى؟ أسئلة نحاول أن نجيب عليها في هذا التحقيق.. توفر المعلومة بداية يؤكد د. محمد عبدالله الخرعان - أستاذ الإعلام المتخصص المشارك بجامعة الإمام – أن مهمة المتحدث الرسمي تتمحور في كون الشخص المخول بتزويد وسائل الإعلام عن الجهة التي يتحدث باسمها، وقال: إنه يجب على المتحدث أن يكون لديه كافة المعلومات التي يريد إيصالها إلى وسائل الإعلام، وأن يكون لديه القدرة على التعامل مع الأسئلة التي تطرح عليه من قبل الإعلاميين. وأضاف: إن مهمة المتحدث الرسمي في كل دول العالم لا تعني أن عليه أن يعطي وسائل الإعلام ما تريد من المعلومات، وإنما هو يدلي بتصريحاته بناء على ضوابط ومحددات وضعت مسبقاً بما يتماشى وسياسة الجهة ومصلحتها، وهذا يكون بارزاً بشكل أكبر في الأجهزة السيادية كالأجهزة الأمنية والتي تتعامل مع المعلومة بحذر كبير كي لا تؤثر تلك المعلومة بشكل سلبي على سير العمل أو الخطط التي تعمل بها في مسرح العمليات مثلاً، إذ إن المتحدث الرسمي في الغالب يحيط بعمله مجموعة من الضوابط التي عليها مراعاتها وليس مهمته فقط إشباع نهم الصحفي طالب المعلومة فقط. إحدى ورش العمل المتخصصة للمتحدثين الرسميين والإعلاميين وأضاف: من المهم أن يكون المتحدث الرسمي لجهة ما قادر على أن يوثق علاقات تلك الجهة مع وسائل الإعلام، ويجب أن يكون المتحدث منفتحاً على وسائل الإعلام، ومتجاوباً معها من خلال الإجابة على أسئلتها، وأن يتواصل مع محرريها بما يحفظ للمنشأة التي يمثلها مصالحها وسمعتها ويجعلها قريبة من جمهورها، ولكن تبقى المعلومة المطلوب من وسائل الإعلام لها حساسيتها ولها أبعادها التي تستوجب التعامل مع الموقف بكثير من المهنية والشفافية، فعندما يصرح المتحدث الرسمي عن معلومة ما لوسائل الإعلام فإنه ينبغي عليه قبل ذلك أن يراعي مجموعة من الضوابط التي تراعي الجوانب التي تمس مصلحة تلك الجهة وسمعتها ومصالح ومتطلبات جمهورها. مصلحة المنشأة وأضاف عندما تكون المعلومة المطلوبة من قبل وسائل الإعلام تمس قضية رأي عام، فإنه ينبغي على المتحدث الرسمي في هذه الحالة أن يبذل كل ما يستطيع من جهد كي يقدم المعلومة الوافية التي تطلع الرأي العام على الحقيقة حول القضية محل البحث من قبل الإعلام كي يطمئن الرأي العام من مصدر موثوق رسمي يمثل الجهة المعنية، وذلك قطعاً للشائعات التي قد تنتشر في ظل غياب تصريح المتحدث الرسمي والتي قد تطال سمعة تلك المنشأة أو جمهورها، موضحا أن المتحدث الرسمي يفترض أن يصرح للإعلام في أوقات محددة وبحدود معينة، فهو ليس مركز معلومات يتصل به الصحفيون بأي وقت للحصول على المعلومة، وإنما هو موظف، ومخول بإعطاء لمعلومات، ولكن ليس بحسب ما يريده الإعلامي وإنما بحسب مصلحة المنشأة والرسالة التي تود إيصالها للجمهور. تيسير المفرج الشراكة مع الإعلام بدوره أكد تيسير المفرج المتحدث الرسمي لوزارة العمل وهو أحد أقرب المتحدثين للإعلام وأكثرهم انفتاحاً على الإعلاميين، أن سياسة وزارة العمل تنطلق في علاقتها مع وسائل الإعلام من مبدأ أن وسائل الإعلام تعد شريكاً أساسياً يمكن الاعتماد عليه في إيصال رسالة الوزارة، وقال: إننا نعتبر وسائل الإعلام شريكاً أساسياً وجسراً حقيقياً يربطنا بالمجتمع وقطاع الأعمال، كما أننا نعتبره شريكاً في صنع كثير من قرارات الوزارة، فنحن نهتم كثيراً بما ينشر الإعلام من آراء وأفكار كانت في كثير من الأحيان سبيلاً إلى قرارات اتخذتها الوزارة أو أفكاراً تبنتها. وأضاف: إن أحد أدوار المتحدث الرسمي الخفية ربما في وزارة العمل أنه ينقل الآراء والانطباعات والمقترحات التي يبديها الصحفيون والإعلاميون إلى مركز صناعة القرار في الوزارة، فأنا مطلوب مني رفع تقرير دوري عن انطباعات الإعلاميين والصحفيين وآرائهم واقتراحاتهم ويتم بالفعل تبني الكثير منها فعلياً. وبما أننا نعتبر الإعلام شريكا أساسيا، فإن ذلك يحتم علينا التجاوب والتفاعل مع شركائنا في التجاوب والتواصل معهم بشكل مستمر، فأنا أرد على أي اتصال من أي إعلامي سواء كانت لديّ الإجابة على تساؤلاته أو لم تكن لدي، فإنني أتفاعل معه بالرد المباشر على الاتصال وغالبا ما يتفهم الصحفي موقفي في حالة أن المعلومة المطلوبة تتطلب أرقاما أو إحصائيات دقيقة تحتاج مني الرجوع إلى الجهة المختصة في الوزارة للحصول عليها بشكل دقيق. التفاعل مع الصحفيين وعن تقيد الصحفيين بالأوقات المعقولة للاتصال بالمتحدث الرسمي وخاصة في وقت الدوام الرسمي قال المفرج: إن واحدة من الامور التي يتحملها المتحدث الرسمي أن يكون جاهزا للرد على أي اتصال يرد إليه في أي وقت، ونحن نقدر أن طبيعة العمل الإعلامي قد تحتم على محررين أن يبدأ عملهم عند انتهاء فترة الدوام الحكومي، وبالتالي علينا أن نتفاعل معهم ومع اتصالاتهم بشكل مباشر، فأنا أحياناً أتلقى اتصالات من وسائل إعلام إلى الساعة الواحدة ليلاً. وبين أن الاتصالات المتأخرة تأتي عن طريق محرري الصحافة الإلكترونية، مبيناً أن أغلب محرري الصحافة الورقية يتصلون في أوقات مبكرة. د. محمد الخرعان فيصل العبدالكريم وأضاف: الموضوع ليس فقط تلقي اتصالات من إعلاميين، فالمتحدث الرسمي أغلب وقته يتحدث مع الجمهور ووسائل الإعلام، فهناك بريد الكتروني قد يأتي في أي وقت، وهناك مواقع التواصل الاجتماعي التي يتطلب أن يكون للمتحدث الرسمي حضوراً دائماً فيها. تقديم المعلومة للمواطن وحول سؤال عن مدى الصلاحيات الممنوحة للمتحدث الرسمي، وأن رجوعه المستمر لمصادره داخل الوزارة أمر لا يعجب الصحفيين قال المفرج: بالنسبة لنا في وزارة العمل فإنني كمتحدث رسمي لدي صلاحيات مطلقة في التصريح فيما يرى المتحدث أنه مناسب ليصل إلى الجمهور، فسياسة الوزارة في هذا الشأن أن المعلومة التي تقدم للمواطن هي جزء من الخدمات التي تقدمها الوزارة له، لذلك نحن نعتبر أن المعلومة التي تقدمها الوزارة عن طريق الصحفي هي جزء من الخدمة التي نقدمها لعملائنا، مع إيماننا بأن الصحفي الذي طلب المعلومة هو لا يريدها لنفسه، وإنما يريد أن يقدمها للمواطنين كافة. وأَضاف: نحن ندرك أهمية سرعة توفير المعلومة للإعلام، فاستخدمنا مجموعة قروبات الواتساب لقيادات الوزارة، فإذا وردني استفسار عن معلومة تتطلب مني الحصول عليها من قيادي في القسم الخاص بتلك المعلومة فإنني أحصل عليها في وقت وجيز بحكم تواصلي مع القيادات في القروب وبالتالي أوفرها للصحفي سريعاً ما لم تكن تلك المعلومة تحتاج إلى الرجوع لأرقام وإحصاءات تتطلب وقتاً. متحدثون صامتون بدوره أكد الصحفي بجريدة الحياة فيصل العبدالكريم أن العلاقة التي تربط الصحفيين بالمتحدثين الرسميين تعتبر سيئة من وجهة نظره، وقال: المتحدثون الرسميون في غالبيتهم يخشون وسائل الإعلام، ولم يفلحوا في بناء جسور من الثقة بينهم وبينها، والغريب أن أغلبهم كذلك قد عملوا في وسائل الإعلام كصحفيين، إلا أن هناك مسافة بينهم وبين الإعلام لم ينجحوا في تجاوزها، كما أنهم يتخذون من مسمى المتحدث الرسمي كوظيفة أكثر من كونها رسالة يمكنهم من خلالها مد جسور بين المنشأة التي يمثلونها وبين وسائل الإعلام المختلفة. وأضاف: أغلب المتحدثين الرسميين يخافون وسائل الإعلام، وغير متفاعلين بشكل كاف مع اتصالات الصحفيين وأسئلتهم، وأظن أن بعض المتحدثين يشعرون أحياناً بأهميتهم، وأنهم مصدر المعلومة من تلك الجهة التي يمثلونها، وهذا أشعرهم بأهميتهم التي تضخمت أحياناً، وهذا بدوره ساهم في غياب لغة تواصل مباشرة بينهم وبين الصحافة، وأستثني المتحدثين للجهات الأمنية الذين ودون مجاملة لديهم استجابة سريعة، ولديهم شفافية كبيرة، فهم إما يقدمون الإجابة على تساؤل الصحفي مباشرة وإما يتحفظون على الإجابة بشكل واضح، وليس لديهم مماطلة في تعاملهم مع وسائل الإعلام. وأشار العبدالكريم ان أكثر ما يستفز الصحفيين هو عدم رد المتحدث الرسمي على اتصالات ورسائل الصحفيين الذين ينشدون الحصول على المعلومة من مصدرها، وقال: لا أجد مبرراً لشخص عين متحدثاً رسمياً لجهة حكومية لا يجيب على اتصالات الصحفيين أو رسائلهم التي يرسلونها له معرفين بأنفسهم وطالبين معلومات أو إيضاحات ما حول موقف ذي علاقة بتلك الجهة، وبعضهم وحينما يرد فإنه يطلب من الصحفي إرسال فاكس أو بريد الكتروني يحمل استفساره حول الموضوع، وقد يمر شهر أو شهران دون أن يأتي الرد، وهذا خلل كبير في دور المتحدث الرسمي، حتى انني أرى أن مرحلة ما قبل المتحدث الرسمي كانت أفضل منها الآن، فوجود المتحدث الرسمي بشكله الحالي أعتقد أنه يعرقل الصحفيين إلا في بعض الجهات المتفاعلة مع الإعلام وعددها قليل. سرعة التجاوب وأضاف: إن المشكلة التي تواجه الإعلاميين أنهم ملزمون قبل النشر بالرجوع إلى الجهة المعنية بالموضوع، وهذا يعرقل العمل الصحفي في ظل عدم التجاوب السريع من قبل غالبية المتحدثين، خاصة وأن هناك أحداثاً يموت طرحها بعيداً حينا مما يفقد النشر عنها قيمته بعد النشر المتأخر انتظاراً لرأي المتحدث الرسمي. وانتقد العبدالكريم تعيين وكلاء وزارات متحدثين رسميين، وقال: إن تعيين شخصية بمكانة وكيل وزارة متحدثاً رسمياً وعدم إعلان رقم هاتف ذلك المتحدث وإنما فقط بريده الالكتروني يمثل من وجهة نظري هروباً من المسؤولية، ومجرد مناورة تظهر في شكلها اهتمام تلك الجهة بالتواصل مع الإعلام، فقد يتولى الرد على ما يرد على ذلك البريد موظفون صغار ليسوا بالضرورة ذلك الوكيل، وكان حرياً به إعلان رقم هاتف الجوال ما دام يمثل دور المتحدث الرسمي لتلك الجهة. تجربة «الرياض» تكشف عن متحدّثين جوالاتهم مغلقة لأيام..! أجرت «الرياض» اتصالاً بأغلب المتحدثين الرسميين الذين توفرت لدينا أرقامهم في يوم الاثنين 11 شوال وعند الساعة العاشرة صباحاً، وقد بادر بعضهم بالرد من أول اتصال في تفاعل ينبئ عن حرصهم على التواصل مع وسائل الإعلام، وخدمة الجهات التي يتحدثون باسمها، فيما كانت جوالات بعضهم مقفلة لأيام عدة، أما آخرون فلم يردوا على اتصالاتنا. وتشير هذه التجربة بجلاء إلى حرص بعض الوزارات والمنشآت على تعيين متحدثين قادرين على التواصل مع الإعلام وخدمة أهداف جهة عملهم، فيما آخرون لا يبدو أن جهات عملهم قد وفّقت في تعيين متحدثين يمثلونها خير تمثيل. متحدث غير متفرغ للمهمة! يبدو أن تعيين متحدثين لبعض الوزارات بمرتبة وكيل وزارة أو مدير عام يمثل قمة الحرص من تلك الجهة على أن يتولى تمثيلها رجل متمكن ولديه الرؤية والصلاحيات للتعامل مع وسائل الإعلام، إلا أن تلك الجهات قد اختارت من حيث لا تعلم رجالاً يصعب عليهم التنازل عن برستيجهم كقيادات، وبالتالي يضطر البعض منهم إلى ممارسة النرجسية والفوقية في تعاملهم مع الإعلام حفاظاً على مكانتهم تلك، فالمتحدث الرسمي في إحدى الوزارات ليس له رقم هاتف معلن يمكن التواصل معه من خلاله، وإنما اكتفى بإعلان بريد إلكتروني، وقد تمت مخاطبته منذ 6/7/2015م برسالة إلكترونية على بريدة المعلن ولم يصلنا منه رداً حتى تاريخه، هذا الى جانب متحدث آخر لم يرد على اتصال "الرياض" على رقمه المعلن، وبعد حين اتصل سكرتيره مستفسراً عن المتصل فأبلغناه بأننا نريد التحدث إليه فقال سأبلغه ولم يعاود أحد الاتصال بنا حتى حينه.