نحن في العالم الإسلامي أول من أسس للأوقاف الخيرية .. والتاريخ يشهد كيف كانت مسألة الوقف الخيري نشطة ورافدا مهما من روافد بناء الاقتصاد الإسلامي، وشهدت مراحل الدولة الإسلامية تذبذبا في هذه المسألة بين نشاط متميز جعل الوقف مبادرة يتبناها معظم الناس فمن وقف لإسكان المرضى المراجعين لمقار العلاج في ذلك الوقت إلى أوقاف لسقيا البهائم ثم انحصر الوقف في مسائل أكثر خصوصية وشخصنة كالوقف على الأسرة والأبناء ثم تلاشى الاهتمام بالمسألة الوقفية وضعف الاهتمام بها توعية وتثقيفا وبالتالي مبادرات فردية ومؤسساتية .. وكنت كتبت مجموعة من المقالات وقدمت عددا غير قليل من الطروحات حول هذا المكون الاقتصادي الاجتماعي "الوقف" وأهمية تحويله من رافد "مهجور ومجهول" إلى مكون اقتصادي اجتماعي رئيسي من مكونات البناء الوطني والتنمية الاجتماعية الاقتصادية ومن تلك الطروحات ما كتبته في هذه الزاوية بهذه الصحيفة الرائدة في (9/9/2008 و 23/8/2011 و 24/ 7/ 2012 و 4/9/ 2012 و 11/9/2012 و 13/11/2012 ) بطروحات متعددة منها المطالبة بإنشاء هيئة مستقلة للأوقاف الخيرية وأخرى حول أهمية تأسيس أوقاف خيرية لصالح القطاعات الصحية والتعليمية وغيرها وكان إعلان تأسيس هيئة للأوقاف الخيرية ترتبط بمجلس الوزراء بشكل مباشر بمثابة نافذة أمل في هذا المسار الذي لم يحظ بما يستحقه من عناية حكومية ومجتمعية إلا أن تنفيذ الأمر السامي تأخر كثيرا جدا فجاء إعلان وزارة الشؤون الإسلامية قبل هذا الشهر المبارك بأن تسمية محافظ هيئة الأوقاف، وبدء نشاطاتها ربما يتمان خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام مبهجاً لي شخصيا وللجميع ذلك أن هذا المنشط المهم تأخرت العناية به .. وقد آلمني كثيرا أن تنشر إحدى الصحف المحلية قبل عدة أيام أن هناك أوقافا بالمليارات لا تزال معطلة في مكةالمكرمة منذ ثماني سنوات وأجزم أن هناك مليارات أخرى لأوقاف معطلة في مختلف مناطق المملكة وهو الأمر الذي يتطلب من هيئة الأوقاف المتوقع بدء أعمالها أن تركز على العديد من البرامج يتمثل أبرزها أولا في أن تكون نظرتها للوقف الخيري وفلسفتها في التعاطي معه على أنه مكون اقتصادي أولا واجتماعي ثانيا بمعنى أن تعمل بشكل رئيسي على التالي: أولا: تنفيذ برامج توعوية للتعريف بالوقف الخيري وتبيان أهميته وعائده الكبير على الفرد نفسه (الأجر غير المنقطع بحول الله) وعلى أسرته (في حال كان ريع الوقف أو جزء منه لانتفاع شرائح معينة من الأسرة) وعلى المجتمع أيضا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. ثانيا: إجراء دراسات للتعرف على المجالات التي تحتاج لتأسيس أوقاف خيرية للصرف عليها. ثالثا: تحفير الأفراد والمنشآت لتأسيس أوقاف خيرية يعود ريعها على المحتاجين ضمن تلك المجالات التي تم تحديد الحاجة لها. رابعا: بناء برنامج الوقف الخيري وتوضيح وتبسيط إجراءات تأسيس الأوقاف الخيرية بما في ذلك إنشاء خدمة زيارة الراغبين في تأسيس أوقاف خيرية للتعريف بالوقف الخيري والمجالات التي تزداد الحاجة فيها لأوقاف خيرية في هذا الوطن العزيز. خامسا: العمل على حصر الأوقاف الخيرية الحالية المستثمرة والمهملة "المهجورة" والبدء مباشرة في تفعيلها. سادسا: العمل على دراسة مجالات استثمار الأوقاف الخيرية من خلال التعرف على الحاجات الوطنية الملحة كمسألة الإسكان مثلا بحيث يتم العمل على توجيه الاستثمارات الوقفية لمجالات استثمارية تساهم في البناء التنموي الوطني الذي يشهده الوطن العزيز سابعا: تسويق الوقف الخيري للأفراد والمنشآت أيضا حتى الحكومية منها ولكم أن تتصوروا وقفا خيريا لكل مسجد جامع أو مجمع مدرسي أو للضمان الاجتماعي أو لوزارات معينة كوزارة الشؤون الاجتماعية مثلا. كما أتطلع إلى أن يقوم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالمساهمة الفاعلة في بناء استراتيجية هيئة الأوقاف الجديدة بحيث تبدأ بداية ناجحة فاعلة تستفيد من تجاربنا السابقة وتجارب الآخرين وأن تكون برامجها وخططها بعيدة عن الروتين والبيروقراطية التي يمكن أن تعطل أو تؤجل أعمالها .. ودمتم