في جنوب العراق معقل الاغلبية الشيعية يعمل السياسيون السنة في عزلة من مجمع شددت عليه الحراسة في احد شوارع البصرة الذي تناثر فيه الحطام جراء تفجير انتحاري بسيارة ملغومة. ويعكس الحزب الاسلامي العراقي والذي تحول مقره الى قلعة حصينة محنة الاقلية السنة التي هيمنت على الحكم في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين والتي تشعر بأنها محاصرة مع استمرار العد التنازلي للانتخابات العراقية المقررة يوم 30 يناير «كانون الثاني» والتي تؤيدها الغالبية الشيعية سعيا لتعزيز النفوذ الذي اكتسبته بعد الغزو الامريكي والاطاحة بصدام وهي انتخابات يقاطعها معظم السنة. ويتهم زعماء ملتحون للحزب المحتلين بقيادة الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية المؤقتة بالمحسوبية والتحيز لصالح الشيعة لتعزيز وضعهم الجديد في العراق بعد عقود من القمع تحت نظام صدام. كما يشكون ايضا من تعرضهم لترويع متزايد من جانب ميليشيات تديرها احزاب شيعية ومن ان قوات الامن العراقية الوليدة تعزز صفوفها بمجندين غالبيتهم من الشيعة وكلها توجهات تزيد من عزلة السنة في العراق الجديد. ويقاطع عدد كبير من السنة الذين شكلوا عماد الطبقة الحاكمة في عهد صدام اول انتخابات حزبية متعددة منذ ما يقرب من نصف قرن بسبب استمرار عمليات القتال في مناطق السنة ويقولون ان ذلك يجعل من الانتخابات النزيهة امرا مستحيلا. ويمكن في حالة عدم مشاركة اعداد كبيرة من السنة في الانتخابات ان تقلل من مصداقية البرلمان العراقي الجديد ومن الدستور الذي سيضعه. وقال جمال مكي المسؤول المحلي للحزب الاسلامي العراقي في البصرة في مكتبه الذي وقف امامه حراس مدججون بالسلاح «الانتخابات مهزلة ولن نشارك.» وافلتت البصرة ثاني اكبر المدن العراقية حتى الآن من أعنف الهجمات التي هزت مدنا مثل بغداد وفي المناطق التي تعيش فيها غالبية سنية الى الشمال والغرب من العاصمة. لكن المقاتلين السنة يصعدون الآن من حملتهم في الجنوب ويهددون التعايش السلمي في مدينة البصرة التي عاش فيها السنة والشيعة جنبا الى جانب وتزاوجوا. ولا يتوقع احد حدوث حرب أهلية لكن بعض السكان يخشون من تصاعد التوترات الطائفية. وفي وقت سابق من الشهر الحالي حاولت سيارة ملغومة استهداف مكتب للمخابرات تابع لقوة شرطة مدينة البصرة وغالبيتها شيعية على الجانب الاخر من الشارع في مواجهة المجمع السني. لم يقتل المفجر سوى نفسه لكن الزجاج المهشم المتطاير اخترق كالسكاكين ستائر مكتب مكي بينما كان في الخارج. ولم تزل العربة المتفجرة موجودة في الشارع لم تقطر بعد. وفي حين يدين مكي الهجمات على العراقيين يؤكد ان للمقاتلين الحق في قتل الجنود الامريكيين والبريطانيين. ويقول «انهم يحتلون العراق» بصورة غير مشروعة. وتبدو هذه التصريحات كمسعى للاستفادة من المشاعر المناهضة للامريكيين بين السنة والشيعة على السواء نظرا لغياب الامن وبطء حركة اعادة البناء. واستهدف الكثير من هجمات المسلحين الاغلبية الشيعية وقتلوا المئات من رجال الامن والسياسة. لكن السنة معرضون للخطر ايضا. ففي بعض الاحيان يستهدف المقاتلون السنة كل من ينضم الى العملية السياسية بعد صدام ويدمغونهم بالتواطؤ مع الاحتلال. وفي الجنوب يقول أيضا زعماء سنة معتدلون انهم مستهدفون من قبل رجال ميليشيا تابعين لاحزاب دينية شيعية. كما استهدف ايضا مسؤولون سابقون في حزب البعث. وينفي زعماء الشيعة المحليون ان أتباعهم وراء هذه الهجمات. وصرح مكي بأن حراسه الشخصيين احبطوا مؤخرا محاولة لاغتياله قام بها مسلحون يستقلون سيارة. وقال متهكما على دمغ السنة دوما بالارهاب «هنا الارهابيون ليسوا من السنة فقط.» ومثله مثل عدد كبير من السنة لم يأسف مكي على اسقاط صدام لكنه الآن يكره الاحتلال الامريكي وما يراه من تكتيكات متشددة يقول ان الغرض منها حرمان السنة من حقوقهم. ومنح مكي مقعدا في المجلس المحلي بعد معركة مريرة ويقول ان السنة غير ممثلين بالشكل المناسب. وعلى الرغم من ان السنة يشكلون 20 في المئة من سكان العراق الا انهم يشكلون 35 في المئة من سكان البصرة. ووسط هذه الخلفية السياسية المتوترة يتعرض السنة لضغوط متنامية من الولاياتالمتحدة والدول العربية للمشاركة في الانتخابات. وحذروا من ان مقاطعة الانتخابات ستجعلهم مهمشين مثلما كان الوضع بالنسبة للشيعة في عهد صدام. ويبحث المسؤولون الامريكيون عن سبل لضم السنة الى العملية حتى اذا جاء تمثيلهم محدودا. ورغم ذلك يمكن للسنة ان يكون لهم تأثير على مستقبل العراق السياسي من خلال حق النقض (الفيتو). فالقوانين تقول انه اذا صوتت ثلاث محافظات من بين 18 محافظة عراقية ضد الدستور في اكتوبر «تشرين الاول» فلن يمكن اقرار الدستور الجديد.