الرياض في العيد هي أجمل ما يكون لأنها فرحت على طريقتها مدينة داخلية ومدينة تصنف من المدن المحافظة ومدينة لا تطل على بحر أو خليج، تتوسط الصحراء بتشكيلاتها الرملية والهضاب الصخرية وأي مدينة أهميتها ليست بموقعها الجغرافي أو تركيبتها الجيولوجية، وإنما بقرار أهلها وناسها المدعوم بالقرار الرسمي، والرياض جميلة في هذا العيد لأن أهلها قرروا ان يفرحوا وأن يغادروا البيوت والجدران وزوايا الغرف إلى الساحات العامة ومراكز الترفيه، لذا جاء عيد الرياض بصورة مختلفة وبخيارات متعددة. نحن نحب الرياض وبشهية مفتوحة والذين عاشوا في زمن ما قبل الطفرة الاقتصادية الأولى لعام 1395ه عرفوا الرياض التي كان يتحول العيد فيها إلى ساحة أفراح .. ومازلت أذكر في طفولتي تلك الأعياد والأفراح المنساحة على أحياء الرياض فكان هناك تجمع أعراس يوم العيد للجاليات العربية والآسيوية، ففي ساحة الغرابي والبطحاء فيما أذكر كانت تتجمع الجاليات اليمنية والشامية والباكستانية والصومالية والسودانية والهندية والبنغالية لتقيم أفراحها وسط ساحة الغرابي وعلى أطراف مجرى البطحاء الشرقي المكشوف وأطراف الشمسية ونواحي حلة القصمان حيث تُظهر جميع الجاليات فنونها وعرضها الراقص بالأزياء والطبول والمزامير والعرض البهلواني فتتحول البطحاء والغرابي إلى كرنفال جماهيري يحتشد الناس حوله لمدة ثلاثة أيام. وقليلاً قليلاً تضاءلت تلك العروض وانحصرت حتى اختفت بصورة نهائية، ومع تباشير الطفرة النفطية الأولى 95/96ه بدأت تظهر عروض الجاليات في ساحة ملعب الملز وأمسيات شارع الستين وبعض نواحي الناصرية وشارع الضباب وشارع الحزام ..عروض ليست بالحشد السابق زمن ما قبل الطفرة لكنها كانت عروضاً ارتجالية ليست لها صبغة رسمية .. ومهما يكن فقد كانت تعبيراً عن فرحة العيد لكن رافق ذلك هجرة أهالي الرياض والوافدين إليها من الجاليات العربية والآسيوية إلى مدن وبلدان خارجية حيث اصبح السفر في عطلة العيد سمة من سمات مدينة الرياض إلى درجة ان الرياض تتعرض إلى هجرة جماعية من الأهالي والسكان مسنوداً بالدخولات الاقتصادية المالية العالية التي يتحصل عليها المواطن والمقيم مما يشجعه على السفر حتى إن من لم يسافر في عطلة العيد زمن الطفرة كان حالة نادرة وغريبة. ثم دخل مجتمع الرياض بعد الطفرة الاقتصادية التي لم تدم طويلاً - قدر لها حوالي (8) سنوات تقل أو تزيد قليلاً - دخل المجتمع في طور فكري جديد: تشدد في الدين، ومغالاة في قضية التعبير عن الفرح، وفكر أيديولوجي فيه شيء من التطرف الديني والاجتماعي ليس دافعه دينياً فقط إنما هي أفكار اجتماعية وسلوكية ومفاهيم لم تتبلور، وآراء لم تنضج في فهم الحياة وأهمية الترفيه والتردد في مواجهة صياغة الأنماط الجديدة لحياة مدينة تضم أكثر من (5) ملايين.. مازلنا نعاني ضبابية تلك المرحلة رغم ان مدينة الرياض بدأت في السنوات الأخيرة تتعافى من بعض تلك الضبابية وتقرر رسمياً و(أهلياً) ان توجد الانسجام الداخلي لمجتمع يحاول ان يوفق ويوائم ما بين واجباته الدينية وهويته الاجتماعية، وبين رغبته في الترفيه عن نفسه وعن أبنائه وأسرة الرياض الكبيرة.