"الدولة ستبقى هي الدولة.." "أي إنسان يقوم بدور الدولة سيحاسب" "لنكن يداً واحدة مع الدولة ..." ثلاث جمل واضحة صريحة قاطعة قالها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولي العهد وهو يتلقى التعازي في ضحايا حادث القديح الأليم الغاشم أكدت دون مواربة أن يد الدولة -حفظها الله- ستطول -إن شاء الله- كل من أجرموا في حق أبناء هذا الوطن ، وأن عقابهم سيكون أليماً لأنهم يسعون إلى الفتنة وإشعال النيران، غير مدركين أن اللُحمة الوطنية التي تجمع الشعب السعودي بأكمله ليست مطية هشة يمكن كسرها بتلك الأفعال الدنيئة التي تتعارض مع أبسط قواعد الإنسانية. ومن جديد تثبت الدولة –حفظها الله- أنها مُلمة بكل ما يحدث وأنها ليست بعيدة أبداً ولو قيد أنملة عن مواطنيها بجميع مدن المملكة ومن هنا جاء الإعلان السريع عن مرتكبي العملية الآثمة قبل أن تجف دماء من قُتلوا في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح -رحمهم الله- وهم يصلون. في أي دولة أخرى كما نرى على الشاشات يومياً كان حادثاً مثل هذا كفيل باشتعال حرب أهلية بين أبناء الدولة والمدينة الواحدة خاصة مع حالة الصراع السياسي المحتدمة في العالم من أقصاه إلى أقصاه ، لكننا نحمد الله أن قيد لبلادنا قيادة تبادل شعبها حباً بحب وتربطها به مودة صادقة تظهر بوضوح في تلك المواقف ذات الحساسية البالغة، ويؤمن ولاة أمرها بأن اليد الواحدة هي من تبني البلاد وليس مجرد الحكومة أو المسؤولين. يقول الله تعالى في محكم تنزيله :"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" وقد تكون تلك المصيبة المؤلمة فيها بعض السلوى لنا فقد أزاحت غباراً كثيفاً كانت تستتر وراءه إشاعات مغرضة تنال من لُحمة الوطن فشاء الله لها أن تنجلي على حقيقتها وأنها ليست سوى سراب، فمنذ الدقيقة الأولى لانتشار الخبر اكتست صفحات ومواقع الشبكات الاجتماعية بالأسى والحزن وكنت تسمع النواح وأنت تقرأ الكلمات التي تنعى أناساً قُتلوا بغير ذنب وفي بيت من بيوت الله. ولعلها تكون فرصة أيضاً للتأكيد مرة أخرى على أهمية مساندة الدولة والتكاتف معها والاتحاد كمجتمع سعودي صفاً واحداً، والالتفات والتبليغ عن أية ريبة أو شك فهذا وحده كفيل بمنع المصائب قبل وقوعها بإذن الله. لكن أكثر ما يلفت الانتباه في ما حدث أن أعمار المتورطين فيه لا تزيد على التاسعة عشرة ما يعني أن الرقابة الأسرية غائبة، كما أن المدرسة باتت تتخلى عن وظيفتها التربوية شيئاً فشيئاً فتكون النتيجة أن يصبح شبابنا عجينة سهلة في أيدي المنحرفين فكرياً فيشكلونهم حسبما يريدون ثم يوجهونهم إلى تدمير أنفسهم وأهليهم وبلادهم. رحم الله جميع من راحوا ضحية الإرهاب الأعمى المُسربل بالسواد وأعان ولاة الأمر بالبلاد على الخروج من ذلك النفق الذي يصر أشباح الدمار على إدخالنا فيه مرة بعد أخرى وكأنهم يستكثرون علينا ما حبانا الله به من نعمة الأمن والأمان.