عندما كنتُ أسيرُ بإحدى شوارعنا بالرياض وإذا بباص يقوده رجلٌ مُسن قد صدمه شباب صغار لا يتجاوزون مرحلة المتوسطة أو مايليها وكان عددهم خمسة فكانوا يتلفظون على رجل الباص ويشتمونه ويهددونه بالضّرب وقد احتجزوه باعتراضهم لباصه بسيارتهم لمنعه من المضي لشأنه والرجل المسكين أسيرٌ بعربته ويقول لهم: يا أبنائي هداكم الله انصرفوا ودعوني أمضي لشأني. هو بحكم سنه يريد فض النزاع ولا يريد الانحدار لصبيانيتهم الهمجية التي ينقصها نوع خاص من تقييم السلوك، أو لربما الرجل بحكم سنّه مريض سكر أو نحوه ولا تُمكنّه صحته من الدخول باشتباك معهم سواءً بالأيدي أو المُلاسنة؛ فالرجل يتحدث معهم بالحسنى، فتزيدُ ضحكاتهم عليه وتعليقاتهم السخيفة بقولهم "هو خايف.. انزل ياجبان" وغيرها من الألفاظ المُتدنية. فتمنيت وجود رجال أمن بالموقع ليقبضوا عليهم، فهؤلاء ليسوا بأسوياء حتماً، أين الاخلاق؟ انظروا لحديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: ليس منا من لا يوقر كبيرنا.. فهذا حديث يتضمن وعيدا شديدا لمن لا يُوقر الكبير. وعيد بالنفي والطرد من كنفِ الإسلام؛ إذاً هذا ديننا وهذا نهجنا الّذي استقيناه من مدرسة الحبيب محمد عليه أفضلُ الصلوات وأتم التسليم. الأمر الآخر بالتاكيد أن هؤلاء الأحداث لم يتلقوا تربية سليمة من داخل بيئتهم، وإلا لما مارسوا هذا السلوك الأخلاقي المشيين مع رجل بعمر آبائهم أو يفوق، أتمنى من شبابنا مراعاة كبار السن بل وتقديم الخدمات المُتاحة لهم إن أمكن، وليس نقيض ذلك، وأتمنى من مدارسنا وجامعاتنا التركيز على الجانب السلوكي الأخلاقي وتوعية الأجيال للمارسات الأخلاقية التي هي نبراس الشعوب. وبها يقاس تقدم الأمم، أو انحدارها وتأخُّرها فلا تقدم لأيٍ منا سواء على المستوى الفردي أوالجماعي إلا وتكون الأخلاق منطلقاً له. (فإنما الأُمم الأخلاق ماذهبت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).