للمملكة مكانة استراتيجية متعددة الجوانب أهمها كونها قبلة المسلمين ومحط أنظارهم. وقد حملت الدولة على عاتقها تبني نشر دين الإسلام والدعوة إليه منذ تأسيسها، وجعلت ذلك ركناً أساساً في دستورها فقد نصت المادة الثالثة والعشرون من النظام الأساسي للحكم على أن الدولة "تحمي عقيدة الإسلام وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله" وكان للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قصب السبق في تأسيس أول برنامج علمي متخصص في مجال الدعوة بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1397ه، تلاه برنامج الدعوة في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، الذي تأسس عام 1401ه، وبعده برنامج الدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1402ه ضمن كلية أصول الدين بالرياض وفي عام 1404ه أصبح البرنامج مستقلاً ضمن برامج كلية الدعوة والإعلام، وقد عد من قبل المتخصصين من أميز برامج الدعوة وأقسامها ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى جامعات العالم الإسلامي. إلا أننا تفاجأنا بخطوة ارتجالية تبنتها الإدارة "السابقة" لجامعة الإمام محمد بن سعود دون الرجوع إلى الأقسام العلمية المختصة، حيث تم الرفع بإلغاء برنامج البكالوريوس في مجال الدعوة وتحويل كلية الدعوة إلى معهد عال للدعوة والاحتساب يقتصر التدريس فيه على برنامجي الماجستير والدكتوراه. ومن جهة أخرى أدركت وزارة التعليم "العالي" أهمية تخصص الدعوة وضرورته الاستراتيجية حيث قامت بتشكيل فريق علمي أكاديمي يضم نخبة من المتخصصين والمتخصصات في مجال الدعوة وأسندت لهم مهمة إعداد المعايير الأكاديمية لبرنامج الدعوة في الجامعات السعودية وقد استعان الفريق بالعشرات من الخبراء والمستشارين والأساتذة المتخصصين في علم الدعوة من داخل المملكة وخارجها لوضع تلك المعايير التي تخدم التخصص في مرحلة البكالوريوس وتسهم في إعداد وتأهيل الدارسين في البرنامج بما يحقق الاعتماد الأكاديمي من الهيئة الوطنية للتطوير والاعتماد الأكاديمي، وليخرج برنامج الدعوة محققاً لعدد من الأهداف أهمها: إعداد متخصصين في مجال الدعوة إلى الله تعالى وتأهيلهم علمياً؛ ليقوموا بالدعوة إلى الله تعالى وليتمكنوا من التفاعل بإيجابية مع مستجدات العصر وقضاياه وتزويد الدارسين بمهارات عملية؛ ليتمكنوا من تطبيق ما درسوه ميدانياً مع العناية بالقضايا الدعوية المعاصرة وبناء شخصية علمية قادرة على الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام وقضاياه المعاصرة ومعالجتها والإسهام في تحقيق ما نصت عليه المادة 23 من النظام الأساسي للحكم وتنمية مهارات القراءة والاتصال والتفكير والبحث العلمي، وتأهيل الخريج لإكمال الدراسات العليا في مجال التخصص وسد الحاجة في مجالات التخصص المتنوعة، كالدعوة والإرشاد، والتعليم ونحوها من المجالات الحيوية المختلفة وخدمة المجتمع من خلال المشاركة في تقديم برامج دعوية متخصصة والتأهيل الدعوي لعدد من أبناء المسلمين من طلاب المنح الدراسية وتأهيل العاملين في مجال الدعوة للارتقاء بالعمل الدعوي وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال القائم على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق فهم سلف الأمة الصالح وتأهيل الطلاب علمياً ومهارياً في مجال حوار الحضارات تحقيقاً لمبادرة خادم الحرمين الشريفين في حوار أتباع الأديان والثقافات وإعداد مؤهلين في الاستشارات الدعوية المتخصصة للجهات ذات العلاقة. وأمام الأخطار المحدقة ببلاد الحرمين الشريفين التي تحفها من كل جانب والجهد المضاعف الذي تتبناه "دولة إيران" للتمدد في أقطار العالم العربي والإسلامي عبر برامجها الهادفة لاحتواء أبناء الأقليات على وجه الخصوص للدراسة في جامعاتها وتقديم التسهيلات لاستقطابهم ليتخرجوا دعاة مؤهلين لنشر أفكارها علاوة على الجهود المبذولة من جهات مشبوهة تستهدف شبابنا وتروج للأفكار التكفيرية وبث التصورات والآراء والأفكار الباطلة حول دين الإسلام والدعوة إلى الله تعالى. كل هذا وغيره يدعونا للمطالبة بإعادة النظر ومراجعة الأخطاء السابقة، والسعي للتوسع في افتتاح أقسام الدعوة في الجامعات السعودية بدلاً من تقليصها إلى قسمين على مستوى الجامعات السعودية كما هو القائم حالياً، والمطالبة بزيادة استقبال طلاب المنح من أرجاء العالم الإسلامي خصوصاً بعد أن أسهمت الهيئة الوطنية للتطوير والاعتماد الأكاديمي في وضع معايير أكاديمية بما يتناسب مع متطلبات العصر وحاجة سوق العمل.