في الماضي كانت القيادة يتولاها أشخاص لديهم سمات شخصية يتميزون بها عن غيرهم كالذكاء، أو الشجاعة، أو الخطابة، أو غيرها من السمات التي تمنحهم الطاعة والقبول في مجتمعاتهم سواء كان ذلك على نطاق ضيق كالعشيرة أم أوسع وأشمل من ذلك كالشعوب والأقاليم، وكان لدى الأغلبية من المجتمع تصور سائد وهو أن القادة يولدون ولا يصنعون وفي عائلات محدودة أيضاً وهو ما يعرف بنظرية السمات أو (نظرية الرجل العظيم). وامتداد لهذه النظرية، ولكن بشيء من الربط بين القائد والمرؤوسين ظهرت القيادة الموقفية لتضيف إلى نظرية السمات تأثير الموقف حيث إن السمات أو المميزات التي تتوافر في الفرد القيادي تختلف باختلاف الموقف والزمان والمكان وعدة متغيرات، وفي العام 1985م قام (بلانكارد) ومجموعة باحثين بتطوير هذا النموذج ليعتمد على محورين، المحور الأول هو أسلوب القائد فإما أن يعطي أتباعه التعليمات، ويحدد لهم الأهداف، ويوجههم لتحقيقها، وإما أن يتبع أسلوب المساندة ويعني تحفيزهم، وتشجيعهم معنوياً، ودعمهم لأداء الأعمال بالمدح والثناء وهو ما يعرف بالقوة الناعمة، أما المحور الثاني فهو الالتزام ويعني مدى حماسة ورغبة الموظف في أداء مهامه الوظيفية. وفي وقتنا الحالي والذي شهد تطوراً كبيراً في علم الإدارة أصبحت هذه النظرية وغيرها من نظريات الإدارة تدرس في أغلب الجامعات العالمية والعربية منها تحديداً وبشيء من التفصيل، ومع أهمية الجانب النظري في فهمها إلا أن الجانب الأهم هو تطبيقها على أرض الواقع كي يتحقق الهدف المنشود منها. ولن نذهب بعيداً عند البحث عن مثال تطبيقي لما ذكرناه آنفاً، فالمملكة العربية السعودية جسدت هذه النظرية في أكثر من موقف عبر قرارات حاسمة اتخذها ملوكها منذ نشأتها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز –طيب الله ثراه- فالقرار الذي اتخذه الملك سلمان–يحفظه الله- بالتدخل العسكري لإعادة الشرعية في اليمن كان قراراً موقفياً وحاسماً، حيث إن المتابع لتطورات الأحداث وتسلسلها هناك يدرك جيداً أن هذا القرار كان هو الأنسب والأوحد في ظل الظروف والمستجدات على الساحة ولو لم يتخذ في وقته لربما ساءت الأمور أكثر فأكثر. شخصية الملك سلمان منذ دخوله العمل السياسي عام 1373ه في عهد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز كانت تحمل سمات قيادية جعلت ملوك المملكة خلال عهود حكمهم يولونه المناصب القيادية المهمة في الدولة كان خلالها مثالاً يحتذى في حسن الإدارة والحكم حتى بويع ملكا فتجلت خبرة السنين في القيادة في عدد من القرارات التي اتخذها في أول أيام توليه الحكم. ومن منظور إداري لهذه العملية العسكرية فالمحور الأول لتأثير الموقف في القيادة شوهد واقعاً عندما أصدر الملك سلمان أمره ببدء التدخل الفوري بعد أن باتت خيارات الحل الدبلوماسي معدومة، مدعماً ذلك بتعليماته وتوجيهاته للوزراء والأمراء وكبار القادة، ومن ثم أصبحت حماسة الجميع سواء في المؤسسة العسكرية أم المدنية لأداء مهامهم التي أوكلت إليهم، وإنجازها بكل دقة يعد تشكيلاً واضحاً للمحور الثاني. بين قرار بدء عاصفة الحزم وقرار إعادة الأمل درس كبير في القيادة الموقفية تم من خلاله بعث عدة رسائل من ضمنها وأهمها أن لكل موقف قرار، فليس بالضرورة أن ما كان صالحاً للأمس قد يكون صالحاً لليوم والعكس صحيح، وقد قيل: ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى * جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية