لو كان باستطاعتي أن أدلي بصوتي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لما تأخرت دقيقة واحدة في انتخاب المرشحة (هيلاري رودهام كلينتون) لسبب واحد فقط، ألا وهو التخفيف من درجتي التباين والتذبذب العميقة والمحيرة في دور المرأة على خشبة المسرح السياسي والحقوقي عالمياً وتاريخياً. فالمرأة الأميركية تعتبر اليوم الأفضل حقوقياً بالمقارنة مع نساء العالم، وبالرغم من هذا فإنها حتى هذه اللحظة لم تصل إلى قمة هرم الرئاسة، في الوقت الذي وصلت إليه سيدات من دول لا تقارن مع المستويات الأميركية الرفيعة، سواءً التعليمية، والطبية، والحقوقية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والإعلامية، والعسكرية، والفنية، ومستويات التنمية البشرية. ومن أولئك السيدات: (سوباتارين يانجما) رئيسة هيئة الرئاسة في منغوليا لعام 1953م، و(ماري استيلا) رئيسة الارجنتين لعام 1974م، و(كورازون كوري اكينو) رئيسة الفلبين لعام 1983م، و(ميغاواتي سوكارنوبوتري) رئيسة اندونيسيا لعام 2001م، وكذلك (شاندريكا كماراتونغا) رئيسة سريلانكا لعام 1994م. وعلى هذا فإن قيد (لهيلاري) أن تصبح رئيسة الولاياتالمتحدةالأمريكية فستكون متأخرة عن قريناتها (62) عاماً! وإن وضعنا في الحسبان اختلاف بعض التفاصيل من أنظمة حكم، وثقافات الدول وشخصيتها، إلا إن وضع النساء دولياً وتاريخياً متشابه إلى حد كبير بشكل أو بآخر. وتساؤلي لماذا استطاعت المرأة أن تحصل على حق مهم في حين فقدانها لحق أهم!؟ وكيف استطاعت أن تصيب القلب وقد أزاغت أهدافاً أكثر سهولة، وكيف استطاعت أن تصل إلى آخر درجات السلم دون أن تطأ أولها؟! وها هن الفرنسيات يحتفلن هذا العام بمرور (70) عاما على انتزاعهن حق الانتخاب والتصويت، إلا أن نسبة تمثيل الفرنسية في البرلمان اليوم لا تتعدى (26.9) في المائة، أي أن نسبة تمثيل الجزائريات في البرلمان أعلى منها، بالرغم من كل ما تعانيه الجزائرية ونجت منه الفرنسية.وحتى اليوم لم تصل المرأة في السويد إلى رئاسة الوزراء، بينما الباكستانية (بي نظير بوتو) وصلت إليها عام 1988م في ظل المعارك التي تخوضها الباكستانية على حقوق رئيسية، ومن أهمها التعليم الذي لم تتوانَ الحركات الإسلامية المتشددة من إطلاق الرصاص على المناضلة الصغيرة (ملالا يوسف) عام 2012م لرغبتهم أن يصيبوه ويصيبوها في مقتل.وكما حدت ذات الحركة (طالبان) المشتركة مع أفغانستان أو بالأحرى (إعاقة طالبان)، بصورة كبيرة من حرية المرأة الأفغانية.فلا تستطع السفر إلا إن كانت مصحوبة بمرافق من أقربائها الذكور، وكما أصدرت مرسوماً يحظر على المرأة قيادة السيارات، وتعتبر أن ظهورهن علناً، يمثل مخالفة للمراسيم، إلا أننا شهدنا لهذا العام ظهور أول قائدة طائرة في سلاح الجو الأفغاني (نيلوفار رحماني). التباين بين دول تعد من أعظم الديموقراطيات وبين أخرى متعثرة في حبال الجهل والفساد وكبت الحريات والتأخر، أمر محير، حيث يفترض بأن الأولى متفوقة على الأخيرة وبشكل خاص في الحقوق السياسية، التي يعدها البعض ترفاً أو المحطة الأخيرة، بينما الواقع والتاريخ يقول أمراً آخر. وكذلك التناقض في حال المرأة في الدولة الواحدة يعد أمراً مربكاً ومشوشاً. فنحن في المملكة العربية السعودية حصلنا على حقوق عدة منها: التعليم حتى الابتعاث للدراسات العليا، وفرص العمل في القطاعين العام والخاص، وحق الاستثمار في مشاريع خاصة وحرة، وكذلك حضور المرأة في فضاء السياسة عبر مجلس الشورى بنسبة (20٪) متفوقة بذلك على نظيراتها في لبنان والبحرين والكويت بل حتى في مجلس الشيوخ الأمريكي، وحضورها أيضاً في المجالس البلدية ترشيحاً وتصويتاً.إلا أن البعض وجد أثناء صدور قرار مشاركة المرأة السعودية السياسية تناقضاً كبيراً في الوقت الذي لا تملك فيه قرارها أو حرية أمرها، إلا أنني أؤمن أن وجودها في أعالي الهرم يخلق فضاء لمشاركة المرأة والثقة بفكرها واحترام قرارها، كما أن لمشاركتها وزناً ثقيلاً، حيث باستطاعتها ومن خلال موقعها أن تساهم في صنع التشريعات وسن القوانين، وإيصال المطالبات وتسليط الضوء على المشكلات والمعاناة، لتجد الحلول طريقها إليها.ولنفض غبار الموروثات الاجتماعية الباطلة التي لطالما كتمت أنفاسها. فالمعاناة وحدها لا تسمن ولا تغني! وما فتئنا نفتح ونغلق ونكتب كلمة ونعود لنمحوها لنكتب أخرى في صفحات كتب تتحرى قراراً تاريخياً يكتب قانوناً ضد التحرش والعنف، وقيادة المرأة، ورفع الوصاية، ومساواة المرأة بالرجل، وإنصاف المرأة قضائياً. بشجاعة كاتب ملحمي يكتب وكأنه يأتمر بأمر إلهام جسور، وفي ظل تلقينا لقرارات قوية شجاعة ومجددة في عهد الحزم والملك سلمان - حفظه الله - نطمح أن نحظى بقرارات تاريخية تأخذ بواقع المرأة إلى أفق جديد. ونطمح أن نحظى بمناصرة المرأة، ليس بالكثير إنما أن تشق كوّة في جدار الوعي لتمرر ضوءه! عالمياً وعلى طول خط التاريخ ومنذ مصر الفرعونية التي نصبت الملكة وعلى جانبيها جدار رسم عليه رجل عظيم الحجم زاهي اللون وخلفه امرأة ضئيلة باهتة. وإلى اليوم ما برحت النساء تجمع التروس، لتتعاشق مع بعضها وتنقلها بقوة وعزم وسلاسة نحو أرض الكرامة والإنسانية المتكاملة.