عام 2002م، أسستُ ومجموعة من الأصدقاء الأميركيين والعرب الأميركيين مركز الدراسات السعودية في واشنطن، كنواة لمركز دراسات يهتم بالشأن السعودي الأميركي (Think Tank)، وانضم إلينا لاحقا اثنان من الأصدقاء السعوديين المهتمين. هذا المركز عمل وأضاف الكثير بإمكاناته المتواضعة، في وقت كانت تمر فيه العلاقات السعودية الأميركية بمنعطف خطير بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وبكل أسف توفي المركز سريرياً بعد أربع سنوات من تأسيسه ليس بسبب الأميركيين وإنما لأن مصالح بعض المتنفذين لم تستسغ قبول المركز لعلاقات ومبررات شخصية. ذات العام، شارك الدكتور تاريتا فارسي في تأسيس وإدارة المجلس الوطني الأميركي الإيراني، والسيد فارسي مولود في إيران، ومقيم في أميركا، ويجيد الفارسية والإنجليزية، ومنذ إنشاء المركز حظي بالرعاية، وكان له فضل كبير في فتح الأبواب الخلفية للحوار بين الإيرانيين والأميركيين التي خرجت للعلن في عُمان فيما بعد. فارسي نشر كتباً عام 2007م بعنوان: "التحالف الغادر: التعاملات السرية لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، وحصد به عدة جوائز، ويعمل هو والمجلس جاهدين على تمرير مقولات وطروحات عن أن سلام واستقرار الشرق الأوسط يقوم على دعامتين هما إسرائيل وإيران، حيث يرى أن "تحسين العلاقات بين ايران وإسرائيل هو المفتاح لتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط". المتصفح لموقع المجلس على الإنترنت يجد عناوين بارزة لدعم الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، ويلفت الانتباه على موقع المجلس رسالة بارزة من فتاة إيرانية أميركية اسمها مينا جعفري تحث فيها الناخبين الأميركيين أن يقنعوا ممثليهم بتوقيع وثيقة تؤيد سياسة إيران الجانحة للسلم، وتبشر متباعيها بأنها حصلت على 100 توقيع على العريضة ومن الموقعين زعيمة الأقلية الديمقراطية في الكونجرس نانسي بيلوسي. هذا العمل الاحترافي وبالطريقة التي يفهمها الأميركيون هو الذي يؤثر في صانع القرار ونفتقد إليه. مراكز الدراسات تربط الأحداث ببعضها البعض وتفسرها وتقدم توصيات لصناع القرار. الأزمات تكشف ضحالة معلوماتنا عن عدونا. ولا أجد مبرراً مقنعاً لغياب مراكز الدراسات عنا وغيابنا عنها. ربما يكون سبب ذلك عدم إيماننا بالعمل المؤسسي طويل المدى، فنحن نعشق المظاهر الاحتفالية التي يتغنى بها الإعلام ثم تخبو جذوة الحماس سريعا بانتظار فعل آخر يفسح المجال لردود أفعالنا العاطفية المتشنجة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فعندما بدأ الخميني نشاطه السياسي عام 1963م هاجم علاقة إيران بإسرائيل لأسباب غير احتلال الأخيرة فلسطين، وعندما جاء للسلطة اتخذ خطوات ثورية تدغدغ مشاعر العرب والمسلمين، وأراد أن ينفرد بالقضية الفلسطينية لتكون مدخلاً لزعامة العالم الإسلامي. وفي المقابل كانت إسرائيل قد يئست من بناء تحالفات عربية فلجأت إلى غير العرب كالإيرانيين والأتراك وبعض مسيحيي لبنان. وفيما بدت مساحة خلاف الثورة مع إسرائيل واسعة، فقد وجد الخميني نفسه عام 1980م يلجأ لإسرائيل لتزويده بالسلاح فبلغت قيمة صفقات السلاح في المدة 1980-1983م نصف مليار دولار. ولأن ذلك كان بمثابة إنقاذ الملالي من الهزيمة فقد رد الخميني الجميل بتزويد سلاح الجو الإسرائيلي بمعلومات عن مفاعل العراق النووي، ودعمه في غارته الجوية على المفاعل العراقي. وفي عام 1986م ظهرت للعلن فضيحة إيران-كونترا. وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست يوم 6 ديسمبر 1986، أن المجتمع المخابراتي الإسرائيليي بأكمله يدعم "سياسة إيران؛ لأن العراق قد شارك في كل حرب ضد إسرائيل وهو جزء لا يتجزأ من الجبهة الشرقية، في حين أن الأصولية الخمينية هي أولاً وقبل كل شيء تشكل خطراً على العرب أنفسهم" الشواهد والمعلومات التاريخية تؤكد على أن إيران لعبت دوراً مهماً في التمكين لإسرائيل، فقد حيَّدت دولاً عربية مثل سورية ولبنان، والآن العراق وكانت تنوي على اليمن، فلم يعد لهم شأن بالقضية إلا بما يحقق مصالح إيران، وتجاوزت ذلك إلى شق الصف الفلسطيني. ولم توهن دولةٌ القضية الفلسطينية كما فعلت إيران. ولذلك فإن الدكتور تاريتا فارسي لم يبتعد كثيراً في عنوان كتابه عندما اعتبر الحلف الأميركي الإيراني الإسرائيلي غادراً ومخادعاً بغض النظر عما ناقشه في التفاصيل. ولأن العدو ملة واحدة، فإن الحوثيين لم يكونوا بعيدين عن الاهتمام الإسرائيلي، فقد اجتمع الإمام محمد البدر بحسن الحوثي الجد في 26 مايو 1964م، ووعده الإمام بحل مشكلاته مع مليشياته القبلية، في مقابل أن يدعمه، وتم الاتفاق، وبمنتصف الليل كان المدد يتساقط على مناطق الحوثيين سلاحاً وأدوية وعتاداً، وصدق البسطاء انه مدد من السماء، في حين لم يكن سوى مساعدات إسرائيلية أسقطت جواً واستمرت 14 مرة. وقد انقلب الحوثيون على الإمام، واصطفوا إلى جانب الثورة الجمهورية، وكان ذلك حسب مجلة الشؤون الخارجية الأميركية The Foreign Affairs ديدن الحوثيين في بيع الولاءات حيث دعمتهم بريطانيا، وإسرائيل، وبعض الدول العربية غير الخليجية، وأخيراً إيران، ولا تستبعد المجلة أن يتحالفوا مع أميركا وكانوا قاب قوسين أو أدنى لولا الله ثم عاصفة الحزم. إيران أضفت على المليشيات القبلية قداسة تمثلت في سلالة "المعصوم" الحوثي، وبذلك خرجت تلك المليشيات من خندق القبيلة إلى سرداب الطائفة، وأُسست محطة توجيه إيرانية في اليمن تأتمر بأمر الحرس الثوري، على غرار حزب الله، وليست إسرائيل عنها ببعيد. مثل هذه المعلومات تتطلب تنقيباً في المصادر ثم جمعها إلى بعضها وتفسير الأحداث وفقاً لها بحيث يجد الكاتب ووسيلة الإعلام مصادر موثوقة وموضوعية توفر محتوى يمكن التعويل عليه في عرض قضايانا على المتابع المحلي والعالمي. وليس من سبيل إلى ذلك سوى مراكز الدراسات. لمراسلة الكاتب: [email protected]