نافذة الواقف خلف النافذة، الآن تماماً لا يشبه النافذة.. إنه يطل على الطرقات، يشبه الطرقات في تفرقها.. والامتداد فلماذا لا يقف من خلفها؟ إنه يحتاج إلى نفسه، كطبيعة الأشياء أي موقف جاهز في الخلف؟ لا أحد يجرؤ.. ولا أحد يجري.. ولا أحد يملك غير التقدم إلى الأمام.. فالواقف الآن سيجلس والنافذة تهون عليه، وتضيق، وتنغلق. حائط أكثر من رَسْم على هذا الحائط ولا لون سوى البياض.. وأكثر من صورة معلقة، للذكرى خارج الحائط.. فكيف يكون السؤال: لماذا؟ كل شيء كما هو.. والذي يمسك بالشيء يموت هكذا اتسعت المسافة بين الحائط وصاحبه وهكذا تتفرق اللحظات.. كانوا هنا، والحائط يحمي ظهورهم والآن.. كل شيء حائط وكل حائط، كان شيئاً عالياً.. منهم الآن صار بينهم.. باب تعرفك الدنيا، أيها الباب وتعرف كل ما دون الغياب.. كانت الدنيا تأتي منك وتذهب منك وكان الأصحاب.. يتزاحمون، ويسمعونك إذ تئن ويسخرون إذا تحن الآن وحدك.. والهواء والآن بينك والأصابع شارع يرتاده الغرباء.. أنت الآن تعرفني، وتعرف أنني وحدي ولا شيء لدي سوى المعاني.. فكن مثلي، أيها الباب الصامد كن مثل المعاني التي صرتها، في خلوتي ومثل الحائط والنافذة ٭٭٭ كلما كان لا أكثر مزقوا كل أوراقه حافظة أحلامه طعنوه من الصدر إلى القلب رفضوه.. ثم طبعوا على جبينه المخذول قبلة الوداع هل سيكونون أغراباً ذات يوم؟ ترتجف الفناجين ولا تزال الأصابع يابسات هل كانوا أحباباً ذات يوم؟ ترتجف الأجفان ولا تزال العيون محدقات ويرتجف الوحيد.. يسأل عن راحل سيأتي من بعيد يسأل العيد السعيد، عن عيد سعيد وينام.. كأنما كان يحلم أن ينام.. ٭٭ من ذاكرة أخرى كان يهرب إليها، حينما تشتد اللحظات مسرعة به.. لا مسرعة إليه.. كان يبدو في كامل الغياب أبداً يغيب.. وكان غيابه يبدو في كامل الحضور أبداً.. أبداً لم يغب من أجل الذاكرة وحدها ولا الذاكرة تحضر لوحيد.. ٭٭ هذا الذي.. كلما كان لا أكثر، كان كثيراً عليه أن يكون. هذا الذي.. كلما انحنى من أجل ريح كانت طيوره القديمة تبحث فيه عن الكتفين هذا الذي.. لا يعرف من أين، إلى أين، ولكنه لا يعرف الأين. ٭٭٭ فلتكن عزيزة هذه المسافات المتروكة خلفنا وليكن عزيزاً كل عزيز تركناه بعدنا، وحيداً بعدنا، يرمينا أمامه، ويجري إلينا، من دون أن نلتفت إليه كلما كان لا أكثر من عزيز.. ٭ من (نصف الكتابة/ج2) يصدر قريباً في بيروت [email protected]