في معرض الكتاب الدولي بالرياض لهذا العام يُمكن مُلاحظة حضور عدد من الإصدارات المميزة التي تتناول حياة شعراء شعبيين راحلين، صحيح أن دواوين الشعراء الشباب ما زالت هي الأكثر حضورًا مُقارنة بغيرها، إلا أن كتب السيَّر تحضر بشكل واضح على حساب كتب الدراسات النقدية التي كان لها حضور أكبر في معارض سابقة. من بين كتب السير المميزة في معرض الكتاب كتاب (فايق عبدالجليل رحلة الإبداع والأسر والشهادة) للباحث الأستاذ حمد الحمد، ويوثق هذا الكتاب الرائع عددا من جوانب حياة الشاعر الراحل وإبداعه، ويذكر المؤلف في مُستهل الكتاب الذي يقع في 200 صفحة أن البذرة الأولى له كانت مقالاً عن الشاعر نُشر في عام 2013 تلاه اتصال من ابن الشاعر فارس جرى فيه الاتفاق على إصدار كتاب "يحكي يوميات أسرة الشاعر المبدع في فترة الغزو، وهي يوميات كل أسرة كويتية". تضمّن الكتاب سبعة فصول سبقتها رسالة كتبها الشاعر لأسرته أثناء احتلال الكويت وبقائه داخلها للمقاومة وعُثر عليها بعد التحرير، وجاء ترتيب فصول الكتاب كالتالي: (رحلة إبداع، رحلة حرف وموسيقى، يوميات محنة الغزو، هتاف الصامدين أغاني للوطن، شهادات من عمق المحنة، الشعر والقول في حضرة الحاضر الغائب، وثائق وصور تتكلم). في الفصل الأول وتحت عنوان (مولد نجم) إشارة إلى الاسم الحقيقي للشاعر وهو فايق العياضي وأنه ولد في عام 1948م، وعندما أصدر الشاعر ديوانه الأول (وسمية وسنابل الطفولة) عام 1967م اختار اسم فايق عبدالجليل، وعبدالجليل هو اسم خاله الذي قام بتربيته منذ الصغر. وفي هذا الفصل أيضًا حديث عن فايق الإنسان وكذلك عن فايق الفنان وعن أبرز أعماله الفنية التي كان أولها دويتو (أنا أهواك يا زين) 1968م، وكان أشهرها أغنية (أبعاد) التي جمعته بفنان العرب محمد عبده ولحنها يوسف المهنا وتعدت شهرتها حدود الخليج والعالم العربي. وتحت عنوان (فايق والعطاء الأدبي) نجد حديثًا للشاعر عن تجربته الأولى مع كتابة الشعر، وأحاديث كثيرة عن ردود الأفعال الواسعة على صدور ديوانه الأول الذي كتب عنه الشاعر محمد الفايز: "أحسست وسيحس القارئ عندما يقرأ (وسمية وسنابل الطفولة) بأن الحرف العامي يستطيع أن يتثقف، وأنه يستطيع أن يحمل ذلك الإشعاع الذي يسربل الفصح، وكما في الفصحى من كلمات رائعة هناك في العامية أيضاً.. إذا تناولها شاعر مفطور ومثقف مثل فايق عبد الجليل". ثم يورد المؤلف مقاطع من دواوين الشاعر الأخرى وهي: (سالفة صمتي) 1977، و(معجم الجراح) 1984 الذي يضم قصائده بالفصحى، و(ديوان فايق عبد الجليل) 1982، و(حب العصافير) 1984. وتحت عنوان (فايق إرث فكري) نجد مقتطفات من حوارات الشاعر ومن الحوار الأخير الذي أجري معه قبل شهرين من الغزو العراقي للكويت. وفي الفصل الثاني (رحلة حرف وموسيقى) استعراض لبعض ما قيل وكتب عن أعمال فايق المغناة مثل: (أبعاد) و(المعازيم) و(أنتِ بعيد هناك) و(مع ريح الهوى مسافر) و(أنتِ وين)، وروائع أخرى صدح بها نجوم الغناء الكبار: محمد عبده، وطلال مداح، وأبو بكر سالم، وعبدالمحسن المهنا وعلي عبدالكريم وغيرهم. في الفصل الثالث (يوميات محنة الغزو) يحكي أبناء الشاعر وبناته اللحظات الصعبة التي عاشها الشاعر وعائلته بتلقي خبر دخول القوات العراقية الكويت، ويصورون صدمته وهو الشاعر العروبي المحب للعروبة بخبر مجيء الاعتداء من الجار العربي المسلم، ويروون ظروف الخروج من الكويت وبقاء الشاعر للمقاومة، ثم التأكد من أسره بعد التحرير، وأخيرًا إعلان استشهاده بعد العثور على رفاته بالعراق عام 2006م. في (هتاف الصامدين أغان للوطن) وهو الفصل الرابع يستعرض المؤلف الأغاني التي كتبها فايق أثناء الاحتلال العراقي الكويت، وهي عبارة عن 18 أغنية وطنية جمعت في اسطوانة واحدة تحت اسم (ملحمة هتاف الصامدين)، وكانت "عملاً وطنيًا بطوليًا قام به مجموعة من الشباب الكويتي، وغامروا بأرواحهم من أجل الوطن"، وتتوفر هذه الأغاني التي أبدعها فايق عبد الجليل ولحنها عبدالله الراشد على اليوتيوب، وقد كانت هذه الأعمال شكلاً من أشكال المقاومة الكويتية أدت لاستشهاد الشاعر والملحن بعد القبض عليهما من قِبل المخابرات العراقية في الأول من يناير عام 1991م. في الفصل الخامس (شهادات من عمق المحنة) تسجيل لشهادات أصدقاء الشاعر الذين عايشوا معه فترة الاحتلال وشهادات بعض أفراد عائلته، وكذلك شرح لظروف أسره هو وعدد من أبطال المقاومة الكويتية. أمّا في الفصل السادس (الشعر والقول في حضرة الحاضر الغائب) فقد جمع المؤلف بعض ما كتبه الشعراء والأدباء عن الشاعر سواء بعد أسره، أو بعد تأكد خبر استشهاده والعثور على رفاته في مقبرة جماعية بالعراق. وتضمّن الفصل السابع والأخير (وثائق وصور تتكلّم) عددًا من صور الشاعر وصور أصدقائه وصورًا لبعض القصائد والرسائل التي كتبها الشاعر بخط يده. ويُتيح لنا كل فصل من فصول هذا الكتاب التعرّف إلى شخصية وإبداع الشاعر الكبير فايق عبدالجليل بصورة أوضح، لاسيما أن كثيرًا من أبناء الخليج الذين لم يدركوا مرحلة احتلال وتحرير الكويت لا يكادون يعرفون عن فايق سوى بعض الملامح الغائمة والمعلومات البسيطة ككتابته لأغانٍ خالدة مثل: (أبعاد)، و(المعازيم)، و(وهم) وغيرها. ما يُميز هذا الكتاب الممتع إضافة لأسلوب كتابته الرشيق، تغطيته لجوانب من الفترة الخصبة التي ظلت غائبة إلى حدٍ ما عن ضوء الاهتمام وهي فترة الاحتلال والمقاومة والأعمال الوطنية التي أبدعها فايق عبدالجليل أثنائها، إضافة لاقتراب المؤلف من عالم الشاعر بالتواصل مع أبنائه وأصدقائه والحصول منهم على معلومات وصور تكشف عن شخصية الشاعر كمبدع عملاق وكرمز من رموز المقاومة والصمود، ولاشك أن هذا الكتاب الجميل يأتي لتأكيد رسوخ اسم فايق في ذاكرة التاريخ وإجابة واضحة على تساؤله الحزين في قصيدة أبعاد حين قال: "عساكم ما نسيتوني عساكم". التي تقول كلماتها: ابعاد كنتوا ولاّ قريّبين لمْراد انكم دايم سالمين ما اقول غير الله.. الله يكون بعون كل العاشقين اشتاق.. واسأل عنكم الأشواق لفْراق.. ما غيّر علي لفْراق عساكم ما نسيتوني عساكم عسى ما مر هوى بعدي وخذاكم ناطر هواكم ناطر قادر ولاني قادر ما اقول غير الله.. الله يكون بعون كل العاشقين منيتي أسهر معاكم كل ليله واشتري بعمري رضاكم ليله يراودني أمل في ليله القاكم واطرز بالفرح أحزان فرقاكم ناطر هواكم ناطر قادر ولاني قادر ما اقول غير الله.. الله يكون بعون كل العاشقين.. وكذلك من قصائده الشهيره وهم والتي تقول كلماتها: وهم.. كل المواعيد وهم تعب.. كل المواعيد تعب باسم الحب باسم الشوق مأساتي معاك تزيد وتم بعيد.. وتتم بعيد وتم مثل الحزن .... انطر سحابة عيد أجي ملهوف.. ملهوف عطش.. تحت المطر ملهوف وقتي يطوف.. ولوني ضايع ومخطوف ويضيع الشارع بصمتي وصمت الانتظار سيوف وكل مامر.. وهم صوبي أقول إنتي أكذبت.. العيون والموعد وهم ألم.. كل ساعة وكل لحظة ألم وين عيوني.. حبتني.. ومنتني وقالت لي.. نعم تلاشت فرحتي وتاهت خطوتي وحلم كبير.. كبير.. في لحظة انهدم وكل مامر.. وهم صوبي أقول أنتي!! فايق مع محمد عبده غلاف الإصدار الجديد غلاف ديوان فايق