فيما تتواصل الجهود الأمنية للسيطرة على الوضع في الإسكندرية ، ومنع اندلاع أزمة تهدد الوحدة الوطنية في مصر بسبب أزمة المسرحية التي قدمها بعض الشباب المسيحي وأساءوا فيها إلى الدين الاسلامي والى مقام الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بدا أن جهودا تبذل على أعلى المستويات لاحتواء الموقف ومنع تدهوره لاسيما مع رصد تدخلات خارجية هدفها إحداث فتنة طائفية واللعب على نغمة اضطهاد المسيحيين . وتبلور هذا التحرك في الاجتماع الوزاري الذي عقده الرئيس مبارك وأكد خلاله ضرورة أن يتم التعامل مع هذا الموضوع من منطلق روح مصر السمحة التي تنظر إلى أبنائها مسلمين وأقباطاً باعتبارهم نسيجا واحدا وجناحين لا غنى عنهما للوحدة الوطنية لمصر وشعبها . وأعقب ذلك البيان الذي أصدره شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي والبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية ودعيا فيه إلى الهدوء ومعالجة الأمور بالحوار والتفاهم . وقال البيان : ان المسلمين والمسيحيين أبناء وطن واحد ويعيشون على ارض واحدة وتحت سماء واحدة وتجمعهم مصالح مشتركة وقد حدث بالإسكندرية ما أحزننا جميعا لاسيما ونحن في شهر رمضان المبارك نقيم الموائد الرمضانية ونتناول طعام الإفطار على مائدة واحدة من مسلمين ومسيحيين .. لذا فنحن ندعو الجميع إلى الهدوء من اجل نشر نعمة السلام والأمان والمحبة بيننا جميعا ، وإذا كان قد حدث ما أسيء فهمه فإننا من الواجب أن نعالجه بروح الحوار والتفاهم خاصة والأمر الآن تتولاه سلطات التحقيق لتقول كلمتها الفاصلة . كانت الكرازة المرقسية بالإسكندرية أعلنت إلغاء حفل إفطار الوحدة الوطنية السنوي الذي كان مقررا إقامته السبت بدعوة من البابا شنودة الثالث ، وذلك بعد أن تلقت الكرازة مئات الاعتذارات عن عدم الحضور احتجاجا على عدم اعتذار الكنيسة والبابا على عرض المسرحية الطائفية كنت أعمى والآن أبصر داخل كنيسة مار جرجس في الإسكندرية ، ما أثار احتجاجات واسعة بين المسلمين ، راح ضحيتها ثلاثة قتلى وأكثر من ثمانين جريحا خلال المصادمات العنيفة التي وقعت بعد صلاة الجمعة الماضي بين المصلين وقوات الأمن . وجاءت مقاطعة حفل الإفطار ردا على تجاهل البابا شنودة مطالب جموع المسلمين بالإسكندرية ، حيث أصر المقاطعون على موقفهم رغم محاولات رجال الكرازة المرقسية إقناعهم بتغيير رأيهم حتى يتسنى إقامة هذا الحفل . وهدد جموع المصلين في مسجد أولاد الشيخ المقابل لكنيسة مار جرجس في محرم بك بالاسكنرية بتكوين لجنة لتنظيم مقاطعة تجارية للأقباط في الإسكندرية وكذلك مقاطعة إحدى شركات التليفون المحمول التي يمتلكها مسيحي الأمر الذي يمكن أن يشكل تطورا كبيرا في الأزمة بين الأقباط والمسلمين ، خاصة وأن الأقباط يتحكمون في أكثر من 60 ٪ من النشاط الاقتصادي في الإسكندرية . كان البابا شنودة والمجلس الملي للأقباط الأرثوذكس بالإسكندرية حذرا في بيان مشترك من وجود بعض الجهات التي تسعى لإحداث فتنة والإضرار بالوحدة الوطنية في مصر ونفى إهانة الكنيسة للإسلام أو القرآن الكريم متهما بعض الصحف بأنها تسعى إلى إثارة الفتنة الطائفية في مصر ، مشيرا إلى أن ما تدعيه هذه الصحف مناف للحقيقة وضد مصلحة الوطن . وقال بيان المجلس الذي يرأسه البابا شنودة الثالث ويضم ثمانية من كبار الشخصيات القبطية إن المسرحية المشار إليها في الصحف المذكورة عرضت منذ عامين لمدة يوم واحد داخل أسوار الكنيسة ولم يرها مسلم واحد، وكانت تتحدث عن التطرف ولم تتحدث عن المقدسات الدينية ، مشيرا إلى أنها لم تثر شيئا حين عرضت ومحاولة إثارتها الآن يهدف إلى تفتيت الوحدة الوطنية . وتساءل البيان : هل نترك الصحف التي تثير الفتنة ويؤاخذ المسيحيون على مجرد الشائعات التي تروجها تلك الصحف بأن هناك إساءة للإسلام بينما لم ير احد شيئا . ومن ناحيته ، أعرب الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر عن رفضه لأي محاولات تسيء إلى صورة مصر في الخارج ، مشيرا إلى أن هناك بعض المغرضين يسعون لنشر الفتنة وبث الفرقة بين أبناء مصر، مؤكدا أن محاولاتهم هذه لن تنجح لأن ما يربط بين المسلمين والمسيحيين من روابط قديمة وعلاقات إنسانية قوية هي أقوى من أي حدث عارض يمكن تجاوزه . وأكد شيخ الأزهر أن الفصل في أحداث كنيسة مار جرجس بمنطقة محرم بك بالإسكندرية، متروك للجهات القضائية التي تقوم بالتحقيق لتقول كلمتها الفاصلة فيه بما يؤدي إلى إقرار الأمن والأمان في مصر وإعطاء كل ذي حق حقه. وعلى صعيد الوضع الأمني ، لايزال التوتر يخيم على منطقة محرم بك وغيط العنب وغبريال ، وحتى الساعات الأولى من فجر السبت كانت المصادمات مستمرة بين قوات الأمن والمتظاهرين حيث انتقلت تلك التظاهرات إلى مناطق غيط العنب وراغب وغبريال حيث الكثافة القبطية. وسجلت تقارير الأمن وقوع اعتداءات كثيرة كما تم حرق العديد من السيارات وتكسير العديد من محلات الخمور ورشق إحدى المستشفيات بالحجارة ، وإحراق بعض سيارات الشرطة بالإضافة إلى ما تم إحراقه من قبل . وعززت قوات الأمن من تواجدها في مواقع الأحداث بشكل خاص وفي الإسكندرية كلها بشكل عام حيث تمت الاستعانة بتشكيلات من الأمن المركزي من محافظة البحيرة وكفر الشيخ وتقوم أجهزة الأمن بالتحقيق مع المصابين في المستشفيات ومازال أكثر من 75 مصابا من الشرطة والمواطنين في المستشفيات للعلاج . وأمر محمد عبد السلام المحجوب محافظ الإسكندرية بتسيير دوريات منتظمة في الشوارع لرصد أية محاولة لتنظيم تظاهرات عقب الصلوات ، كما تم تدعيم الحراسة حول جميع الكنائس والمساجد تحسبا لأية أعمال عنف . وتجري محاولات لعقد جلسة صلح بين شيخ الأزهر والبابا في منطقة محرم بك التي تضم مسجد ال الشيخ وكنيسة مار جرجس ، إلا أن المصادر أكدت أن الجهات المتفاوضة لم تحصل بعد على رد من البابا شنودة الذي يبدي تشددا غير مفهوم تجاه الأحداث . وتردد أن أهالي منطقة محرم بك ألقوا القبض على شخص أجنبي في موقع الأحداث عندما علموا أنه يحمل الهوية الإسرائيلية وحاول الافلات من الجماهير الغاضبة بقوله انه مراسل صحافي إسرائيلي ويقوم بتغطية الأحداث في المنطقة ، لكن الأهالي قاموا بتسليمه إلى قوات الأمن ، معبرين عن خشيتهم من أن يكون عميلا لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» .