في الأسبوع الماضي تلقت شركة آبل حكماً قضائياً يرغمها على دفع 533 مليون دولار كتعويض على انتهاكها لثلاث براءات اختراع!! ... ورغم أن الأمر لا يهمنا في شيء ، سأتخذ من هذه القضية مدخلاً لتبيان القيمة المادية للأفكار العلمية وبراءات الاختراع.. ففي عصرنا الحالي تبلورت معارك فكرية (تختلف عن معارك السيوف والرشاشات وقطع الرؤوس) وتقدم للمنتصرين مغانم أعظم وأقوى وأكثر نفعاً.. فالاكتشافات العلمية وبراءات الاختراع ثروة حقيقية يتصارع عليها العارفون بقيمتها.. فحين تصبح ملكاً لأحدهم (بحكم القانون) يحقق من خلالها مغانم كثيرة بثلاث طرق رئيسية: الأولى: من خلال إنشاء شركات جديدة تطبقها كسلعة أو خدمة تعتمد عليها (مثل شركة جوجل التي لم تكن أكثر من معادلات بحث رياضية، وشركة آبل التي نهضت على اختراع أول كمبيوتر شخصي في كاراج ستيف آبل). والطريقة الثانية: من خلال بيع الاختراع لشركات موجودة بالفعل (مثل مبتكر الماسحات الأوتوماتيكية الذي باع اختراعه على شركات السيارات ب220 مليون دولار، موقع اليوتيوب الذي اشترته جوجل ب1,6 مليار). أما الطريقة الثالثة فهي ببساطة البقاء دون حراك حتى تستعمله شركة أكبر فيرفع عليها صاحب الحق قضية اعتداء وطلب تعويض (كما حدث ضد آبل في المثال الذي بدأنا به المقال)!! ... المدهش أكثر؛ أن في أمريكا شركات لا تفعل غير البحث عن براءات الاختراع الواعدة وشرائها قبل الآخرين.. شركات لا تنتج سلعاً ولا خدمات بل تستحوذ ببساطة على آلاف البراءات التقنية والاكتشافات العلمية الجديدة.. وهي تحقق أرباحاً من بيع هذه البراءات للشركات المصنعة أو مقاضاة الشركات المصنعة في حال استعملتها دون إذنها. وفي القضية السابقة كسبت شركة من هذا النوع (تدعى سمارت فلاش) دعوى ضد آبل بحجة أنها استعملت ثلاثة ابتكارات (تملك حقوقها الفكرية) في برنامجها المعروف آيتونز.. وكانت سمارت فلاش (في تكساس) قد طالبت بمبلغ 852 مليون دولار كتعويض، ولكن الدعوى انتهت بمنحها 553 مليون دولار(رغم أن فلاش سمارت اشترت الأفكار الثلاثة ب400 ألف دولار فقط)!! .. وبصرف النظر عن الجوال الذي تحمله؛ لا يجب أن تحزن على "آبل" لسببين رئيسيين: الأول: أن قيمتها السوقية هذا العام تجاوزت 700 مليار دولار (بفضل 4000 اختراع حولتها إلى منتجات جديدة).. والسبب الثاني: أنها هي نفسها سبق ورفعت دعوى ضد سامسونج ونوكيا حققت من ورائها البلايين. فشركة آبل رفعت قضايا "استغلال فكري" على شركة سامسونج في 34 دولة مختلفة وتطالبها ب4,5 مليارات دولار نظير مادعته تقليد منتجاتها الذكية.. كما حاولت مع شركة موتوريلا تحطيم شركة نوكيا الفنلندية من خلال اتهامها بالاعتداء على ابتكاراتها في السوق الأمريكية (مما اضطر نوكيا إلى إعادة شراء براءات اختراع تعرفها مسبقاً وتملك حقوقها في فنلندا). غير أن نوكيا أيام مجدها تعلمت الدرس بسرعة فسجلت في أول عشر سنوات 9300 براءة ابتكار في أمريكا كي ترفع من خلالها قضايا مضادة، أو تتفق بفضلها مع الشركات المنافسة على إلغاء الدعاوى بين الطرفين (بطريقة سيب وأنا أسيب)!! .. أيها السادة ذكرت في بداية المقال أن الأمر لا يهمنا في شيء لولا رغبتي في تبيان القيمة المادية للأفكار العلمية.. والحقيقة أن الأمر (مايزال) لا يهمنا في شيء بسبب انشغالنا بمعارك بيزنطية لم تحسم منذ قرون. وأخبرني على ماذا يتعاركون، أخبرك في أي اتجاه يسيرون.