"سينوغرافيا" مصطلح عريق نجده لدى الإغريق والرومان كما استخدمه معماريو عصر النهضة، فهو فن تنسيق الفضاء المسرحي والتحكم في شكله بهدف تحقيق أهداف العرض المسرحي، الذي يشكل إطاره الذي تجري فيه الأحداث، ويشمل كل العناصر التي تساهم في إنشاء مناخ لعرض مسرحي متكامل: الإضاءة، والصوت، وتصميم الملابس والمكياج، كما ورد في التعريف الخاص بمايكل ايجان مصمم المسرح الشهير. خُيّل إلي للوهلة الأولى بعد اطلاعي لمفهوم "علم السينوغرافيا" ذلك الرابط الجليّ بين هندسة خشبة المسرح وفن هندسة الحياه الشخصية لكل فرد، فكل ما أتقن مصمم المناظر المسرحية عمله، كلما ازدادت نسبه رضا الجمهور واقتناعه برساله المسرحية، يشبه في ذلك اتقاننا من عدمه في اختيار العناصر التي باجتماعاتها تكوّن لنا مسيره حياة ناجحة أو فاشلة، وهي:العلاقة بالله، الوطن والمبادئ الشخصية، الرفقة والأصدقاء، شريك العمر والعلاقات الاجتماعية، وحتى التخصص الجامعي والهواية المدللة كُلها عناصر أساسية لبناء الحياة، فإذا أجدنا بناء الفضاء الخاص بنا سننجح في إخراج سيرة ذاتيه موفقة نفتخر بها. يُقال إن السينوغرافي لا بد أن يكون له ذوق جمالي وفني في تأثيث الخشبة المسرحية، وأن ينطلق من روح إبداعية في فهم النص الدرامي وتفسيره حتى وإن كان مُشبعا بالماريفودية -التكلف في التأليف المسرحي-، تماما كأي شخص يطمح لترجمة رغبته الجامحة في تمثيل دوره على خشبة مسرح الحياة خير تمثيل؛ فإذا ما اعتمدنا التشابه المنطقي بين العناصر المسرحية التي يشكلها السينوغرافي وبين العناصر الأساسية لحياة كل فرد منا والتي هي أساسا في جعبته وبين يدية سنتفهم عندئذٍ المغزى من وراء هذا كله: أتقن علاقتك بربّك وأخلص بها، أنتمي بحب للأرض التي تحتويك كما ينتمي هو للخشبة الصماء، دافع عن مبادئك بضراوة كما يدافع هو عنها بتفانيه في ضبط عمله كي تصل الحبكة المطلوبة، تمهَل ببناء صداقاتك واختيار الرفقة الدائمة لك لقدرتهم على التأثير على فكرك ومبادئك فهم بمثابة البروسينم التي تُأطر المنصة وتحافظ على توازنها، إلى جانب التحريّ التام في اختيار شريك عمرك من يقاسمك الحياة بحلوها ومرّها، من ستبني معه خارطة طريق نضرة أساسها الإخلاص والتلاحم، يُشبه في أهميته بالمنصة الرئيسية للمسرح في مدى صلابتها وتحملها وتماسكها، كونها ستحمل على ظهرها أوزان الممثلين والديكور والزخارف والأداء المتسارع الصاخب تارة والهادئ الناعم تارة أخرى. باعتقادي كل العناصر المُتبقية كالتميز في التحصيل العلمي والحصول على الوظيفة الحُلم وما يصاحبهما من متاعب، إلى جانب الممارسات اليومية والمشاكل الروتينية، كلها تتمثل في كواليس المسرح والدهاليز غير المرئية من أزياء وماكياج ومعدّات صوت وصورة، وباكتمالها يكتمل المشهد. والآن إذا بدأت بممارسة فن المونولوج فهذا يعني بأني أوصلت فكرتي إلى مخيلتك على أكمل وجه.