ليس من الضرورة أن تسقط دولة وتنشأ من جديد كما حدث للدولة السعودية الأولى ثم الثانية وانتهاءً بتأسيس الثالثة وصمودها واستقرارها واستمرارها لكي تحمل صفة دولة جديدة وذلك أن التحولات الإيجابية الجذرية والحد من السلبيات إن وجدت في أية دولة من الدول تعتبر بمثابة نشأة جديدة لأن التحولات الإيجابية العميقة التي تمس الأمور السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تضمن استمرار الاستقرار والنمو والتطور بمثابة الضمان الذي يعمق الانتماء والولاء والصمود والنمو والتقدم. ولعل نشوء الجمهورية الفرنسية الخامسة كنتيجة لتطوير صياغة الدستور هناك وبالتالي انعكاس ذلك على كل من الاستقرار السياسي والتنمية والتقدم خير مثال على أن التحولات الإيجابية الكبيرة تعتبر بمثابة نشأة جديدة وبالتالي تحظى بالمسمى الجديد الذي يميزها عما سبق على الرغم من أنها استمرار له. بحمد الله ومنته المملكة العربية السعودية كانت وما زالت وسوف تظل دولة ثابتة الأركان وذلك منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله – رغم كل العواصف التي مرت وتمر بالمنطقة وذلك نتيجة حكمة القيادة ووعي الشعب. وحيث إن قيادتنا تدرك أهمية مواكبة حركة تطور الحياة ومستجداتها فإن حدوث تحولات إيجابية نوعية في المجالات الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أصبح من أولوياتها وهذا يعني أن الدولة تبني مجموعة من الخيارات الاستراتيجية الإيجابية التي يأتي تعدد مصادر الدخل وتحييد الاعتماد على البترول كمصدر شبه وحيد للدخل في مقدمتها. لأن هذا هو الضامن الرئيسي بعد الله سبحانه وتعالى لاستمرار الرخاء والتقدم والنماء والاستقرار. ولعل من أهم المؤشرات التي تشير إلى تبني التطوير الإيجابي حالياً ومستقبلاً ما يلي: إعادة ترتيب وتطوير المؤسسات والمجالس والأنظمة والتخلص من كل الشوائب والعوائق، واعادة عجلة الإنتاجية إلى الدوران بصورة أكثر جدية وفعالية. والعمل على الاهتمام بالكيف إلى جانب الكم والعمل على تكاملهما ودعم ذلك بالخبرات والكفاءات الوطنية الأكثر ديناميكية وحيوية وبعد نظر. ناهيك عن التخلص من الأسلوب الفردي للإدارة. وذلك من أجل تقوية السلطة التنفيذية وللحيلولة دون تشكل وضع غير مستقر نتيجة ما قد ينتاب الدول مع مرور الوقت نتيجة عدم التجديد والتطوير، ولا شك أن هذا التوجه كان من أولويات الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– وذلك يتضح من قرارات إلغاء عدد كبير من المجالس وحصر عملها في مجلسين أحدهما يهتم بالشؤون السياسية والأمنية والثاني يهتم بالشؤون الاقتصادية والتنمية. واللذان أوكلت رئاستاهما إلى كل من الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص المشهود لهما بالكفاءة ناهيك عن تعيين عدد من الكفاءات التكنوقراطية في عدد من الحقائب الوزارية والذين من أهم واجباتهم وواجبات الوزراء الآخرين تحويل الوزارات والمؤسسات التي أوكلت إليهم إلى مؤسسات مستدامة في حراكها ورؤيتها ورسالتها وأهدافها بحيث تصبح ثابتة التوجه تؤدي عملها دون أن يحدث لها انتكاسة وتغيير في أولوياتها أو مسارها عند تغير رأس الهرم فيها وذلك حتى لا تظل تلك المؤسسات والوزارات مكانك سر نتيجة ابتداء كل وزير جديد من المربع رقم (1) برؤية تلغي السابق ويلغيها اللاحق. انتقال السلطة إلى جيل الأحفاد ثم التأسيس له من خلال عدة محاور أولها أن أمراء جميع المناطق هم من الأحفاد الأكثر كفاءة وثانيها أن الملك سلمان حسم موضوع انتقال السلطة من خلال أمره الكريم بتعيين الأمير محمد بن نايف ولي لولي العهد وهذا القرار المتميز ألجم كل حاقد وحسود حجراً سد حناجرهم وقضى على كل الشائعات. نعم لقد كان لهذا القرار ردة فعل إيجابية لدى كافة الشعب ولدى كل من يحب للمملكة الخير والاستقرار والاستمرار. ولا شك أن إنشاء مجلس للحكم المحلي يضم جميع أمراء المناطق سوف يكون له أثره الكبير نحو تنسيق وضبط الأداء وتعميق الوحدة الوطنية وإرساء أسس التكامل بين المناطق ناهيك عما يمكن أن يناط بمثل ذلك المجلس من مهام تنبثق من وضع روئية ورسالة وأهداف محددة له. الدولة السعودية الثالثة منذ تأسيسها ظلت تعتمد بشكل رئيس على مصدر دخل واحد هو البترول الذي يشكل دخله ما يربو على (90%) من الدخل القومي للمملكة والذي كان له دور كبير فيما شهدته المملكة من تطور ونماء. وحتى عندما تم الاتجاه إلى الصناعة أخذت الصناعات البتروكيماوية نصيب الأسد من الاستثمارات الموجهة لهذا الشأن. وحيث إن تلك الصناعات تعتمد على البترول والغاز فإن مصيرها يظل مرتبطاً بهما. ولذلك فإن استقلال الدولة عن الاعتماد على البترول وبدء العد التنازلي لتقليص الاعتماد عليه يعتبر بمثابة تشكيل البصمة الكبرى التي يسجلها له التاريخ لهذا العهد الزاهر بأحرف من نور. فالملك سلمان -حفظه الله- أول العارفين أن الاعتماد على مصدر واحد يعتبر أمراً مما يجب تلافيه وهو أيضاً خير العارفين أن الاتجاه إلى تحييد البترول من قبل الدول الصناعية والمتقدمة يسير على قدم وساق وذلك من خلال إنتاج السيارات الكهربائية والهجين والتي أصبحت حقيقة واقعة بالإضافة إلى تطوير واستغلال مصادر الطاقة البديلة والمتجددة والمتمثلة في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحيوية والنووية والحرارة الأرضية وغيرها مما أصبح لكل منها أهميته وإسهاماته في مجال توفير الطاقة. ناهيك عن محدودية العمر الافتراضي للبترول الذي يعتبر سلعة ناضبة بدون ادنى شك. هذا بالاضافة إلى أن مشاريع مصادر الدخل البديلة سوف تفتح فرصاً وظيفية وتبني مدناً جديدة مما يشكل قيمة مضافة إلى الحراك الوطني نحو الانعتاق من مصدر دخل وحيد. تعدد مصادر الدخل ليس بالمستحيل وذلك أن المملكة غنية بالمصادر الطبيعية غير البترولية بعضها قائم وذلك مثل مناجم الفوسفات الذي تديره شركة معادن والذي سوف يصبح له دور مهم في الدخل القومي عما قريب، والثاني بساتين النخيل حيث أصبحت المملكة الدولة الأولى في إنتاج التمور وهذا يحتاج إلى أن يتم الاتجاه إلى الاستفادة من هذا المصدر وتطويره من خلال إقامة صناعات تحويلية مهمة عمادها التمر والمشتقات الأخرى للنخيل وهذا الأمر يحتاج إلى إنشاء شركة مساهمة متخصصة في هذا المجال تتولى عمليات التسويق والتصنيع والتصدير. فالتمور ومشتقاتها ومشتقات النخيل الأخرى ذات أهمية غذائية وصناعية يحسن الالتفات إليها وذلك أن كثيراً من المنتجات التي نستوردها من الخارج يمكن أن نصنعها من التمور ومن مشتقات النخيل الأخرى مثل السعف والأخشاب ومشتقاتها وذلك مثل الحلويات والاعلاف والعوازل وغيرها مما لايمكن حصره. ليس هذا وحسب بل إننا نستطيع أن ننتج الذهب والحديد والألمنيوم وعدد كبير من المنتجات الأخرى بحيث نصبح مصدرين لها. ناهيك عن أن المملكة واحدة من أفضل دول العالم موقعاً جغرافياً يؤهلها أن تصبح مركزاً صناعياً لعدد كبير من الشركات الصناعية في مجال السيارات والأجهزة الإلكترونية والكهربائية وقطع الغيار وغيرها. وعلى الرغم أن ذلك يتم الأخذ به إلا أن وتيرة الحراك في هذا الاتجاه بطيئة ومتواضعة. السياحة من أهم مصادر الدخل القومي في كثير من الدول لذلك تنبه عدد كبير من الدول لهذا المصدر ونجحت في توطينه. والمملكة تملك كل المؤهلات التي تجعل منها واحدة من أكثر الدول جاذبية للسياحة الخارجية ناهيك عن توطين السياحة الوطنية حيث يأتي في مقدمة ذلك السياحة الدينية والعلاجية والتعليمية وغيرها مما لا يمكن حصره وهذا بالطبع ما تسعى إلى تحقيقه الهيئة العليا للسياحة والآثار. وهي التي تحتاج إلى أن تدعم بصورة أكبر حتى تستطيع أن تتحرك بوتيرة أسرع وذلك من خلال تحويلها إلى وزارة للسياحة والآثار. النقل الجوي أصبح اليوم صناعة معتبرة متداخلة مع السياحة من عدة أوجه إلا أننا لم نهتم بهذا الجانب حتى الآن على الرغم من أن المملكة تملك كل المؤهلات التي تجعلها مركز اتصال عالمي لأنها أكثر أهمية من غيرها في هذا المجال سواء كان ذلك من الناحية الدينية حيث الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة أو من ناحية الموقع الجغرافي أو من ناحية الآثار والمواقع التاريخية والتنوع المناخي والطوبوغرافي حيث الجبال والصحاري والسواحل والجزر وحدث ولا حرج. ولكل منها دوره في الجذب السياحي الذي عماده النقل الجوي الذي استثمرت فيه دول مجاورة أصبحت مركز اتصال عالمي في مجال النقل الجوي والجذب السياحي. نعم ان الاتجاه الى توطين صناعة النقل الجوي ليس ترف بل هو مصدر جيد من مصادر الدخل ناهيك عن أهميته المعنوية والثقافية والاجتماعية والسياحية وقبل ذلك وبعده أهميته الاقتصادية. الصناعات العسكرية ذات أهمية كبرى تتعلق بالأمن الوطني من ناحية وتدخل في مجال تعدد مصادر الدخل من ناحية أخرى. والاهتمام بهذا المجال الحيوي ظهر جلياً من خلال تعيين الملك سلمان للمهندس محمد القاضي رئيس للمؤسسة العامة للصناعات العسكرية لأنه ذو خبرة واسعة في المجالات الصناعية من خلال إدارته لشركة سابك ذات المكانة المحلية والعالمية. وهذا التعيين ينبئ بأن تطوير الصناعات العسكرية سوف يكون له أولوية تليق بمكانته وأهميته. إن العمل على الحد من استشراء العمالة الأجنبية التي وصل تعدادها إلى نسبة كبيرة، مما يجعل من هذا الأمر ذا أهمية كبرى وذلك من أجل خلق فرص عمل جديدة أمام المواطنين والحد من السلبيات المرافقة لوجود تلك العماله مثل التحويلات الهائلة للأموال والتي تجاوزت (130) ملياراً في العام السابق ناهيك عن المشاكل الأمنية والاجتماعية والثقافية وغيرها. تعثرالمشاريع والفساد توأمان يشكلان أهم العوائق التي تلعب دوراً محورياً في تعثر التنمية وبالتالي فإن القضاء عليهما قضاءً مبرماً يعتبر من أهم ما تتطلبه المرحلة. وكالات السيارات لا زالت تمثل وسيطاً بين المصنع والمستهلك فقط ولعل تطوير تلك الوكالات بحيث تصبح شركات مصنعة وفاعلة في مجال اختصاصها وذلك من خلال عقد اتفاقيات صناعية مع الشركات والمصانع التي تمثلها يعتبر بوابة لتوطين صناعة السيارات وقطع غيارها وأساليب صيانتها وتطوير أدائها. نعم إن تعدد مصادر الدخل يحتاج إلى استراتيجية وطنية فاعلة قادرة على أن تقفز فوق عوائق المشككين والمثبطين بإمكانيات المملكة وقدرتها على تبني أنواع عديدة من الخيارات في مجالات مصادر الدخل. فكم من الدول حطمت بطموحها وإرادتها وعزمها تلك الحواجز وحققت النماء والرخاء والتقدم. مما جعلها تتبوأ مكانة عالمية مرموقة وذلك مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة وغيرها كثير وذلك من خلال التركيز على التعليم الناجح الذي يؤهل لسوق العمل. نعم إن التحول إلى نقلة نوعية تواكب تحديات المرحلة، قد بدأت بوادره التي تبشر بنقلة مرحلية على كل المسارات بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز ومؤازرة ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد حفظهم الله- وتكاتف الشعب والتفافه حول قيادته التي سوف تهزم الإرهاب من جهة وتعزز مرتكزات القوة والتقدم والاستقرار من جهة أخرى..والله المستعان.