إن قرارات خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله، كانت حاسمة، فأسكتت المرجفين، ورتبت بيت الحكم، وطمأنت المواطن، وأذهلت العالم. النية الصادقة، الإرادة، الإستراتيجية الواضحة، فريق العمل المؤهل، والقدرة على صناعة القرار، خمس أدوات يستطيع من خلالها أي وزير ترجمة رؤية خادم الحرمين إلى واقع ملموس، ومستقبل مطمئن، يُغيظ المشكك، ويردع العدو صدر الأمر الملكي الكريم رقم وتاريخ بتعيين سمو الأمير محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، وعادل الطريفي وزيراً للثقافة والإعلام، ووليد الصمعاني وزيراً للعدل، فتصدر هذا الخبر وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية، وأصبح الشغل الشاغل لوسائل التواصل الاجتماعي، وحديث المجالس الخاصة ولي مع ذلك وقفة. في البدء أود أن أشير إلى أن هذا المقال لن يكون تزلفاً لمعالي الوزراء، ولن أكيل المديح لهم، وسأتناول موضوع ضخ الدماء الشابة في الحكومة من منظور المصلحة الإستراتيجية للدولة، وإدارة الحكم، والطريقة التي تنظر بها الدول المتقدمة والناجحة في العالم للمناصب القيادية العليا والحقائب السيادية. إن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، هي المنهج بعد القرآن الكريم، في إدارة شؤون الدولة وقيادة الجيوش، وقد تعطرت السيرة النبوية بنماذج، عين فيها صلى الله عليه وسلم قيادات حديثة السن لقيادة الجيش الإسلامي، وأبرز مثال على ذلك توليته لأسامة بن زيد قيادة الجيش المتوجه إلى الشام وعمره آنذاك (17) عاماً، فلما علم أسامة بمرض الرسول صلى الله عليه وسلم تأخر بالجيش حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، فأتى عمر رضي الله عنه يراجع أبا بكر في قيادة الجيش قائلاً: (يا خليفة رسول الله، إن أسامة حدث، وإن بعض الصحابة ومن هم في الجيش يريدون منك أن تولي من هو أكبر سناً منه) فغضب أبو بكر رضي الله عنه غضباً شديداً وقال (ويحك يا عمر، أتريد أن أحل لواءً عقده رسول الله، وأن أولي على الجيش غير أسامة، والله لا أفعل)، فندم عمر، وسكن الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، وبُعث الجيش. وعندما ننظر في عصرنا الحالي، نرى الدول الناجحة والمتقدمة تحرص على ضخ دماء شابة في مفاصل الدولة، إيماناً منها بأهمية التغيير، وضرورة تولي القيادات الفتية لدفة الحكم، وصناعة القرار وهناك أمثلة كثيرة على نجاح هذا التوجه، فعلى سبيل المثال نجد سيباستيان كورس الذي لم يتجاوز عمره (27) عاماً وزيراً لخارجية النمسا وهي حقيبة سيادية، ونتذكر أنه في (2 ديسمبر 1971م)، تم تعيين سمو الأمير محمد بن راشد آل مكتوم وزيراً لدفاع دولة الإمارات العربية المتحدة وعمره آنذاك (22) عاماً، فهو من مواليد (1949م)، وما زال يشغل هذا المنصب حتى كتابة هذا المقال، الأمر الذي أهله لتولي مناصب قيادية أخرى (نائباً لرئيس الدولة ورئيساً لمجلس الوزراء وحاكماً لدبي) ما سمح له بمشاركة إخوانه بمضاعفة إجمالي الدخل في الإمارات أكثر من (190) مرة خلال أربعين عاماً فقط، وها هي الإمارات تستعد للتحول لحكومة المستقبل التي لا تنام، وستقدم خدماتها للمواطن والمقيم (24) ساعة في اليوم،(7) أيام في الأسبوع، (365) يوما في السنة (وأحيلك أختي الكريمة أخي الكريم لكتاب (ومضات من فكر محمد بن راشد) وأعتقد جازماً بأن أحد أسباب هذا النجاح في عالمنا المتسارع، هو القيادات الشابة، التي تعمل بلا كلل، وبنظرة تحاكي الواقع، وتستطيع استشراف المستقبل. ولنا أيضاً في بنظير بوتو، مثالاً لامرأة شابة تولت منصب رئاسة الوزراء لدولة باكستان (النووية) عام (1988م)، وهي لم تتجاوز(35) عاماً، وكذلك الحال لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي لم يتجاوز عمره (31) عاماً. ولا نذهب بعيداً، فها هو المغفور له بإذن الله الأمير سلطان بن عبدالعزيز يتولى حقيبة الدفاع التي أسندت إليه من قبل الملك الفذ فيصل رحمه الله وعمره (31)عاماً، ولا ننسى خادم الحرمين الملك سلمان الذي عين أميراً لمنطقة الرياض وعمره (28) عاماً، وقد استطاع نقل هذه القرية العاصمة إلى إحدى أهم عواصم العالم تطوراً وحداثة. وأود أن أشير إلى أن المناصب القيادية العليا في أي دولة في العالم لا تخضع للتخصص على الإطلاق، وهذا يُعتبر إحدى المسلمات في علم الإدارة، فقد نجح المغفور له بإذن الله غازي القصيبي في الصحة وليس بطبيب، وتولى كولن باول وزارة الخارجية الأمريكية ولم يتول وزارة الدفاع وقد كان رئيساً لهيئة الأركان، وهناك أمثلة أخرى لا يسع المقام لذكرها. لا ُتقيّم الدول بمساحتها بل بما قدمته للبشرية، ولا يُقيم القادة بأعمارهم بل بمآثرهم وإنجازاتهم، تشهد بها الأرقام، وتُقر بها العيون، وتحفظها لهم الشعوب. وهنا أقول بوضوح، يجب أن لا نُسلم عقولنا لمغرد حاقد، أو لكاتب جاهل، أو لعميل مأجور، أو لتنظيم مشوه، أو لدولة متربصة. إن قرارات خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله، كانت حاسمة، فأسكتت المرجفين، ورتبت بيت الحكم، وطمأنت المواطن، وأذهلت العالم. النية الصادقة، الإرادة، الإستراتيجية الواضحة، فريق العمل المؤهل، والقدرة على صناعة القرار، خمس أدوات يستطيع من خلالها أي وزير ترجمة رؤية خادم الحرمين إلى واقع ملموس، ومستقبل مطمئن، يُغيظ المشكك، ويردع العدو. سمو الأمير محمد، معالي الوزير عادل، معالي الوزير وليد، أعانكم الله وسدد خطاكم، لنا وللتاريخ الحكم بالأثر، ولكم منا ولكافة الوزراء الدعاء بالتوفيق والسداد.