لعل ال 34 قراراً ملكياً التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تُسجل فارقاً زمنياً ونوعياً وكمياً لا مثيل له في تاريخ الدولة السعودية التي تأسست في عام 1927م. 34 قرارً وأمراً ملكياً، لامست تقريباً كل المجالات والجوانب، الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والرياضية، هدفها تحقيق الرفاه والنماء والازدهار لهذا الوطن الكبير الذي يقف على أعتاب مرحلة جديدة من مسيرته الوطنية الطويلة. ما الذي يُريده الملك سلمان من كل هذه القرارات الكثيرة والكبيرة في هذا الوقت المبكر جداً من حكمه الذي بدأ منذ عدة أيام فقط؟ سؤال عريض ومهم كهذا، يتطلب قراءة متأنية وفاحصة ودقيقة لمجمل وأبعاد وأصداء هذه القرارات والأوامر الملكية، إضافة إلى ضرورة الاقتراب كثيراً من حقيقة هذه الشخصية البارزة التي تمتلك كاريزما قيادية وتجربة ثرية وخبرة طويلة في مجال الحكم والإدارة والسياسة، امتدت لعقود طويلة، وأيضاً محاولة جاهدة لفهم شكل ومضمون وأبعاد "الرؤية العامة الوطنية" التي يحملها الملك سلمان بن عبدالعزيز لهذا الوطن، خاصة في هذه المرحلة الاستثنائية من عمر العالم. خمس ركائز(رسائل) أساسية ومهمة، يمكن قراءتها بوضوح وشفافية، في هذه الحزمة الكبيرة من القرارات الملكية والتغييرات الوزارية التي لم تشهدها البلاد من قبل. الإيمان الواضح جداً بالأجيال الشابة هي الركيزة الأولى، إذ شكل دخول الكفاءات الشابة في هذه الحركة الإصلاحية الضخمة نسبة كبيرة جداً. وهنا، يُسجل للملك سلمان بن عبدالعزيز، فهمه العميق لطبيعة وظروف المرحلة الراهنة التي تُمثل حقبة شبابية بامتياز، حيث يُشكل فيها الشباب الغالبية، إضافة إلى الاستفادة القصوى من روح وطموح وتطلع هذه الشريحة المهمة التي تتسلح بالعلم والمعرفة والحيوية. فضخ الدماء الشابة في قلب هذا الوطن، ركيزة مهمة وأساسية، شكلت حضوراً قوياً وذكياً وملهماً في رؤية الملك سلمان التنموية. الركيزة الثانية، هي تكريس ثقافة الجدية والديناميكية والإنجاز، وهي ثقافة يؤمن بها ويُمارسها بامتياز الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكل من يعرفه عن قرب، يُدهش من دقة حرصه وانضباطه والتزامه بإنجاز المعاملات والملفات والتحديات. الملك سلمان، يؤكد من خلال هذه السلسلة الطويلة من الإصلاحات والتعديلات والتغييرات، أن المرحلة القادمة هي بداية حقيقية لغرس ثقافة وسلوك العمل الجاد وسرعة الإنجاز وحتمية التطوير. الركيزة الثالثة، المصداقية والشفافية والموضوعية، وهي متبنيات وقناعات ومآلات طموحة لأغلب هذه القرارات الملكية، وأهمها إلغاء 12 مجلساً ولجنة وهيئة، ودمجها وتوحيدها في مجلسين اثنين فقط، وهما مجلس الشؤون السياسية والأمنية ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. توحيد الجهود والسياسات والاختصاصات، رؤية ثاقبة وعملية لتوجيه وتكامل الخطط والاستراتيجيات والأدوار، لضمان تفعيلها وتنفيذها على أرض الواقع بايقاع مباشر وسريع ليشعر بها المواطن، لا أن تبقى مجرد آمال وطموحات وتطلعات. الركيزة الرابعة، هي تحويل مجلس الوزراء، وهو السلطة التنفيذية بالبلاد، إلى ما يُشبه "غرفة عمليات ومتابعة" لكل السياسات والخطط والاستراتيجيات والأولويات والخدمات، ليحقق هذا "المجلس الكبير" أحلام وطموحات وتطلعات المواطن. ثمة رغبة ملحة وواضحة من هذه التغييرات الوزارية والقرارات الملكية التي طالت الكثير من المجالات والقطاعات، وهي أن يكون مجلس الوزراء قريباً جداً من المواطن البسيط الذي يبحث عن حياة كريمة في وطن يرفل بالخيرات والثروات والإمكانيات. إيقاع سريع ودماء شابة وإصلاح حقيقي، عنوان عهد جديد لملك جديد في أيامه الأولى، هو الركيزة الخامسة. لقد أدرك الملك سلمان بن عبدالعزيز، بأن ظروف وطبيعة المرحلة الجديدة، تتطلب إرادة قوية وحلولاً جذرية وإنجازات حقيقية، لكل الملفات والأزمات والتحديات. قرارات وتعديلات وإصلاحات وتغييرات وتنظيمات ومكافآت واعتمادات ومساعدات، في بداية مبكرة لعهد جديد، مؤشر لبوصلة وطن، يسير باتجاه نهضة وطنية كبيرة.