سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبدالعزيز آل إبراهيم..«ذراع ابن سعود» في تثبيت الأمن والتنمية في المناطق جيل مضى وترك لنا إرثاً من "مواقف المرجلة" و"شهامة الفزعة" وروح التضحية للمليك والوطن
حب الثقافة والأدب ولد الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم في مدينة الرياض، سنة 1297ه، وقد تعددت الروايات حول تاريخ مولده، ولكن حسب جواز سفره الذي هو وثيقة رسمية لها مصداقيتها، ولد في عام 1297ه وهو التاريخ نفسه الذي ولد فيه الملك عبدالعزيز آل سعود –وفق روايات بعض المؤرخين-، وقد أورد هذا التاريخ «منير البديوي» في كتابه (المتوكل على الودود عبدالعزيز آل سعود). ووصف المستشرق الإنجليزي «عبدالله فيلبي» الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم»، قائلاً: «كان الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم رجلاً وقوراً، ضخم الجثة مهيب الطلعة، له لحية بيضاء طويلة، وهو شيخ في منظره فتى في نشاطه، قوي في إرادته وأحكامه، مهيب في مجلسه حكيم في تصرفاته»، فيما ذكر «محيي الدين رضا» في كتابه (رحلتي إلى الحجاز) عام 1353ه «إذا دخلت على الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم رأيت رجلاً في الستين من عمره، تبدو عليه إمارات الصلاح والتقوى، يغض البصر ويهبط بوجهه إلى الأرض، نحيف الجسم طويل اللحية، استولى البياض على شعراتها، فزاده وقاراً وهيبة»، أما تعليمه وثقافته فقد كان محباً للأدب والثقافة، كما كان ملماً بأحكام الشريعة الإسلامية، ويعد من مثقفي زمانه، فقد وعت ذاكرته كل ما درسه وما تلقاه على يد مشايخه في الرياض والأفلاج، إلى أن تولى زمام الأمور في إمارة المدينةالمنورة فجعل من داره محفلاً من محافل الأدب والثقافة يرتاده الأدباء والمفكرون، وإن ما خاضه وأنجزه يدل على صفاته وميزاته، حيث أهله ذلك لأن يكون من مشاهير رجال الملك عبدالعزيز، ومن نخبة موظفيه، ولذا قال عنه «محيي الدين رضا» من كتابه آنف الذكر بأنّه: «حلو الحديث إذا حدثك بالشؤون الدينية وإقامة الحدود، ويعجبك بسعة اطلاعه وغزير علمه، فهو يكلمك بنظام وترتيب في الحدود والفروض مرجعاً كل شيء إلى أصوله، يعنى بالزوار ويشدد على وجوب العناية براحتهم، وهو ملم بحوادث العالم العربي». تولى مسؤوليات إدارة شؤون المدينةوالطائفوعسير وكان قريباً من الناس ومحباً للعلم وأهله خاتم ابن رشيد الخاص وعقب أحداث حائل كان للأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم» دور بارز في توحيد الكلمة، وقد تجددت علاقة أسرة «آل إبراهيم» بالأسرة السعودية الحاكمة، حيث كان عبدالعزيز بن إبراهيم محل ثقة الملك عبدالعزيز، واختاره لمهام عديدة، ومن الشواهد الدالة على الثقة الكبيرة التي تمنح له من قبل أولئك الذين عمل معهم قصته مع الأمير «محمد بن طلال الرشيد» -رحمه الله-، حيث لم يكتف بأن أرسله مندوباً عند مقابلته السلطان عبدالعزيز، والتباحث معه حول شروط توحيد البلاد والكلمة، بل إنّ الأمير «محمد بن طلال» أعطى الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم خاتمه الذي يوقع به المعاملات الرسمية، وقد أظهر هذا الموقف للسلطان عبدالعزيز مدى الثقة التي يضعها الأمير «محمد بن طلال» في «ابن إبراهيم»، حتى إنّه أعطاه خاتمه وفوضه بالتوقيع نيابة عنه فيما يراه في صالحهم، وقد كان هذا الموقف نقطة تحول في حياة الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم»، حيث أعجب السلطان «عبدالعزيز بن سعود» به بعد هذه المهمة. عبدالعزيز بن إبراهيم ثقة المؤسس مكث «ابن إبراهيم» في (الرياض) بعد عودته من (حائل)، وفي عام1341ه أمره الملك بالتوجه إلى (عسير) ليعمل أميراً هناك، وكان أيضاً من الذين رافقوا الملك عبدالعزيز في رحلته التاريخية إلى مكةالمكرمة، وقبل أن يتوجه الملك من ميقات الإحرام إلى مكة أرسل يستدعي «عبدالعزيز بن إبراهيم»، حيث أمره بعدم الإحرام وعينه أميراً على الطائف في عام 1343ه، وبعدها عينه وكيلاً لإمارة المدينةالمنورة في سنة 1346ه، وكان أميرها الرسمي الأمير «محمد بن عبدالعزيز آل سعود»، وفي الثالث من صفر 1355ه تم تعيين الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم» عضواً بمجلس الوكلاء، الذي كان يقوم مكان مجلس الوزراء الحالي، إلاّ أنّ أطول فترة قضاها كانت في إمارة المدينةالمنورة، حيث استمر هناك ما يقارب من عشر سنوات، وكانت هذه الفترة قمة نضجه السياسي والإداري، فالإنجازات الأمنية والاجتماعية التي تحققت خلال فترة إمارته، هي التي أظهرت قدرة ومكانة «عبدالعزيز بن إبراهيم»، الذي استحق بجدارة أن يكون شاهداً على حسن اختيار الملك عبدالعزيز لمعاونيه كما روى ذلك بعض الذين تناولوا سيرته. إمارة عسير حين كان الملك عبدالعزيز يحاول ضم منطقة (عسير) وما حولها، كان «عبدالعزيز بن إبراهيم» يراقب الأحداث ويعيشها لحظة بلحظة، ولكن لم يخطر بباله أنّه سيكون ذلك الرجل الذي سينتدبه السلطان أميراً على عسير، مكلفاً بضرورة المسارعة لاستتباب الأمن هناك، وما هي إلاّ أيام حتى نفذ «ابن إبراهيم» توجيهات الملك، واستعد للرحيل لاستلام زمام الأمور هناك، وكان «ابن إبراهيم» قد طلب -قبل مغادرته الرياض– من الملك عبدالعزيز، أن يسمح له بالعودة إلى (الرياض) بعد إنهاء مهمته، فكان الردّ بابتسامة تنم عن حسن التعامل الذي اشتهر به، فعلى إثر وفاة الأمير «ابن عفيصان»، أصدر الملك عبدالعزيز أمره بتعيين عبدالعزيز بن إبراهيم أميراً على (عسير)، وكتب إلى الشيخ «عبدالوهاب أبو ملحة» في 10 شوال عام 1341ه، يخبره باختيار «عبدالعزيز بن إبراهيم» للإمارة، وأوصاه بما يلزم في جميع الأمور، وقد صاحب هذا الفراغ توتر أمني في المنطقة قبيل وصول «ابن إبراهيم»، حيث تسلم مهام الإمارة وبدأ الناس يتوافدون إليه ويشتكون من انعدام الأمن في بعض النواحي، إذ كان عليه القيام بإصلاحات تعيد للناس أمنهم، وتهدئ من روعهم، حيث أسند إليه السلطان عبدالعزيز العديد من المهام، إضافة إلى إنقاذ (عسير) من الفتن وصرف اهتمام الناس إلى ما ينفعهم، وقد ذكر «د. محمد بن زلفة» في كتابه (عسير في عهد الملك عبدالعزيز): «لقد مرَّ على هذه المنطقة عدة أمراء وقادة، ولم تحسم الأمور إلاّ في عهد الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم، الذي آثر تحقيق هذا الإنجاز دون إراقة دماء، وذلك باتباع السياسة والدهاء». أول أمير للطائف كان تعيين «ابن إبراهيم» أميراً على (الطائف) في يوم 28 جمادى الأولى 1343ه بعد فترة قصيرة من دخول الشريف «خالد بن لؤي» و»سلطان بن بجاد» -رحمهما الله- هذه المدينة، وهذا يعني أنّ «ابن إبراهيم» أول أمير ل(لطائف) في عهد الدولة السعودية الثالثة -وفقاً لما ذكره «إبراهيم بن محمد الزايد» في ترجمته لعبدالعزيز آل إبراهيم-، حيث كانت مسؤوليات «ابن إبراهيم» وهو يتسلم إمارة الطائف - تشمل جميع القبائل المحيطة ب(الطائف) حتى بلاد «زهران» و»غامد» جنوباً، ولا شك أنّ طبيعة مهمته بالطائف تتناسب في واقع الأمر مع تجاربه وخبراته السابقة، ولذا فقد عمل هناك على ثلاثة محاور اشتملت على توطيد الأمن في البلدة، وفي كل القبائل التابعة لها، وقيادة الحملات العسكرية وإرسال المندوبين لإخضاع القبائل المجاورة، ومكث «عبدالعزيز بن إبراهيم» أميراً على (الطائف) أكثر من ثلاث سنوات، وقد حقق من خلالها ما كان يرمي إليه السلطان عبدالعزيز من وراء تعيينه أميراً عليها، حيث سعى إلى توطيد الأمن ومكافحة الجريمة. عضو مجلس الوكلاء تولى الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم» زمام إدارة الأمور في إمارة المدينةالمنورة في العاشر من ربيع الأول سنة 1346ه، وحينها كانت خبرته السياسية والإدارية والأمنية مسبوقة بتجربتين مميزتين، بذل خلالهما الكثير من الجهود، وأنجز العديد من المهام، حيث أشار «د. عبدالباسط بدر» في كتابه (التاريخ الشامل للمدينة المنورة) قائلاً: «عندما ظهرت الحاجة إلى مَن يدير أمور المدينة، ويهتم بمتابعة الجانب الأمني بين القبائل، أصدر الملك مرسوماً بتعيين ابن إبراهيم في منصب وكيل الأمير، وعين ياسين الرواف وكيل الحكومة في دمشق سابقاً، معاوناً له»، وبعد تشكيل الإدارات الحكومية الجديدة التي جاء بها العهد السعودي، سعت إدارة «ابن إبراهيم» في مواصلة العمل على شيوع الطمأنينة والأمن والاستقرار، وفعلاً تحقق لها ذلك حيث يعود الفضل -بعد فضل الله سبحانه– إلى تعاون أهالي وقبائل وسكان المدينة النبوية مع الإدارة الجديدة، كما كان ذلك في منطقة (عسير) ومدينة (الطائف) اللتين ساهم فيها الأهالي وبشكل كبير في تحقيق ربوع الأمن والاستقرار هناك، وقد أمضى «ابن إبراهيم» قرابة عشر سنوات في المدينةالمنورة، ولما تقدمت به السن اشتد عليه المرض فطلب من الملك عبدالعزيز إعفاءه من منصبه فاستجاب له الملك -وفقاً لما ذكره «عبدالباسط بدر» في (التاريخ الشامل للمدينة)-، وبعد استقالته من إمارة المدينةالمنورة أصدر الملك عبدالعزيز قراراً بتعيينه عضواً في مجلس الوكلاء، الذي كان مكانه العاصمة المقدسة برئاسة الأمير فيصل بن عبدالعزيز. مسمى البلاد كان الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم» من أولئك الذين رفعوا للملك عبدالعزيز بمقترح التسمية الجديدة للمملكة، حيث استبدال مسمى «مملكة الحجاز ونجد» إلى «المملكة العربية السعودية»، كما رفع للملك خطاب أعيان المدينةالمنورة حيال المقترح نفسه -وفقاً لما ذكره «الريحاني»-، كما نشرته صحيفة أم القرى في عددها رقم (407) بتاريخ 29-5-1451ه، وكان أهالي (مكةالمكرمة) و(جدة) و(الطائف) قد رفعوا برقية مماثلة حول الموضوع نفسه، حيث المسمى الجديد للبلاد ونظام الحكم، وذلك باجتماعهم الشهير بمدينة الطائف. تشجيعه للعلم ورجاله اشتهر «ابن إبراهيم» بحبه للأدب وتشجيعه للأدباء والمثقفين، وأشاد أكثر المؤرخين والذين كتبوا عنه بمجالسه الأدبية حيث قال «عبدالقدوس الأنصاري» مشيداً به: «كان يحمل صدر هذا الأمير من حفاوة واهتمام بتقدم الحركة الأدبية الحديثة، حيث كان مجلسه يتحول في المساء إلى ندوة ثقافية، تعطرها أحاديث الأدب وقصص التاريخ التي كانت تجذب اهتمام الأمير»، ويحكى عن ذكائه: «أنّ سارقاً اتهم بسرقة كبيرة، ولم يتضح من بين مجموعة من الناس، فعمد إلى حيلة طريفة، حيث طلى العمود بصبغ طريٍّ، وأحضر المتهمين، وعلى كل واحد أن يلمسه بيده، فمن كان بريئاً لن يمسه أذى، ومن كان سارقاً سوف تمسكه الكهرباء، ومرَّ الجميع على العمود الحديدي، وبعد أن رأى أيديهم وجد أن واحداً ليس عليه صبغ من العمود، فهو لم يلمسه خوفاً من عدم إفلاته منه، وبعد التحقيق معه اعترف بالسرقة». وفاته عندما تقدم الأمير «عبدالعزيز بن إبراهيم» باستقالته من عمله في (المدينةالمنورة)، كان المرض قد تسلل إلى جسده، وبدأ -رحمه الله- يشعر باشتداد المرض عليه، فقرر السفر إلى (مصر) للعلاج، غير أنّه توفي في شهر رجب عام 1365ه، الموافق عام 1946م، وقد ذكر هذا التاريخ الشيخ «حمد الجاسر» والأستاذ «عبدالله العلي الزامل»، وكان عمره حينها قد ناهز (68) عاماً رحمه الله رحمة واسعة. عبدالعزيز بن إبراهيم بين ابن سعود وابن رشيد وعن يمينه طلعت حرب باشا إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم حل مكان والده وحظي بثقة ولاة الأمر استطاع ابن إبراهيم إعادة الأمن إلى عسير بعد تولي إمارتها توفي ابن إبراهيم بعد استقالته من منصب وكيل إمارة المدينة المنورة