أكثر ما لفت انتباه القراء في الطبعتين الأولى والثانية من كتاب “رجال حول الملك عبدالعزيز .. الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم” للكاتب الدكتور عبدالله بن سعيد بن أحمد أبوراس، أنه لم يقدم شخصية عبدالعزيز آل إبراهيم كشخصية مستقلة لها بطولاتها ومواقفها ودورها في خدمة المملكة وبمعزل عن بقية الأدوار والشخصيات التي كانت تموج بها ساحة العمل الوطني، ولكن قدمها ضمن نسيج ملحمة التوحيد الكبرى التي قام بها القائد الملهم عبدالعزيز آل سعود، ومن خلال مسيرة التاريخ العام للوطن حيث تظهر جميع الأدوار كاملة وعلى حقيقتها .. فالكتاب في رأي قراء الطبعة الأولى من الكتاب ليس سيرة ذاتية لواحد من الذين اختارهم الملك عبدالعزيز للعمل معه وحازوا على ثقته واختصهم برعايته، كما أنه ليس رصدًا لمواقف وأدوار واحد من الأفراد الذين تولوا المسؤولية في أكثر من موقع، ولكنه قطعة حية متكاملة من تاريخ المملكة الوطني الذي يزهو برجاله الأفذاذ وسجل وثائقي لفترة مضيئة وحاسمة من تاريخ المملكة حافلة بالبطولات والأمجاد. حرص مؤلف الكتاب في طبعته الثالثة على البدء بعرض عن أسرة آل إبراهيم وموطنها ونسبها، وعلى تعريف القارىء ببني لام، وآل فضل، وموطن الفضول قبل الحديث عن أسرة آل إبراهيم ونسبها وأفرادها وفروعها ثم أعقب المؤلف هذا الفصل بفصل ثانٍ عن بداية علاقة آل إبراهيم بالأسرة السعودية الحاكمة في مراحل تاريخية متقدمة قبل ظهور الملك عبدالعزيز آل سعود. وتتلاحق فصول الكتاب لتتابع أعمال عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم في خدمة الملك الموحد والتي بدأت بمهمته الصعبة في عسير وتصرفه الحكيم في معالجة تمرد آل عائض إبان إمارته عليها وتحقيق الأمن والسلام في هذه البقعة من الوطن وهو الدور الذي أهله بعد ذلك ليكون أول أمير سعودي على الطائف في العصر الحديث فأميرًا على المدينةالمنورة لمدة عشر سنوات متواصلة، وأخيرًا تعيينه عضوًا في مجلس الوكلاء الذي كان بديلًا عن مجلس الوزراء الحالى، ليبلغ بذلك قمة الحكم وأعلى مراتب العمل الإداري . وأفرد الكتاب الفصل السابع لتسليط الضوء على شخصية عبدالعزيز وما تميز به من خصال وسجايا وسمات خاصة، وذلك من خلال أقوال عدد كبير من المؤرخين والكتاب الذين عاصروه، وتخلل هذا الفصل بعض القصص للدلالة على قوة إرادته وحزمة وقدراته المتميزة في معالجة القضايا والأمور المختلفة، وخصص الفصل الثامن للحديث عن أبرز أفراد أسرة آل إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، وهو ابنه إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم، كما تناول الفصل أيضًا الأبناء والأحفاد . ويؤكد الدكتور عبدالله أبو راس أن الأمير عبدالعزيز آل إبراهيم حقق في المدة القصيرة التي قضاها أميرًا على عسير إنجازات كبيرة فقد تحقق في تلك الفترة حلم كان يراود العسيرين منذ آمد بعيد وهو أن يزاح عنهم الهم الثقيل الذي جثم على صدورهم جراء النزاع الدموي المستمر على السلطة وبعد أن وضع حدًا لإمارة آل عائض، ومن ثم أيقنوا أن عهدًا جديدًا قد فتح بابه لهم وأنهم أصبحوا جزءًا من المشروع الوحدوي الكبير. بعد أن أطمأن عبدالعزيز آل إبراهيم على نهاية الفتنة عقب رحيل آل عائض اطمأن على أمن مواطني الإقليم واضعًا لهم قبل أن يودع أبها إلى الرياض أسسًا للتعامل مع الخارجين عن النظام والعابثين بالأمن، كما عمل جهده في إعادة الناس إلى حياتهم الطبيعية وإلى مزارعهم وتجارتهم وأعمالهم الخاصة. أكثر من ثلاث سنوات مكثها عبدالعزيز أميرًا على الطائف، حفلت بالعمل والجهد من أجل نشر الأمن في الإمارة التي عانت طويلًا من طيش اللصوص والقتلة في ظل غياب السلطة القوية القادرة على كبح جماح العابثين بالأمن وكان على عبدالعزيز آل إبراهيم وهو يتولى إمارة الطائف أن يتبع أسلوب الشدة والحزم للوقوف على كل ما يجري في المناطق التابعة لإمارته ولقد نتج عن أسلوبه هذا انحسار موجة الخوف وشعور الناس بالطمأنينة، ولا غرو أن أسلوب آل إبراهيم الاداري الحازم ومباشرته حل المشكلات وعدم قبوله التسويف والتأجيل لم يكن على الدوام يلقى القبول لدى بعض مشايخ وأعيان القبائل . وحيث إن ابن إبراهيم قد حقق الأهداف التي من أجلها تم تعيينه أميرًا على الطائف فقد تم نقله من إمارة الطائف إلى المدينةالمنورة في عام 1346ه- وهو نقل تكريم وتشريف فما من ثرى أكرم من ثرى طيبة الطيبة بعد مكةالمكرمة ناهيك عن الأهمية القصوى لإمارة المدينةالمنورة للخصوصية التي تمتاز بها مدينة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. من أبرز المشروعات التي تم تنفيذها بالمدينةالمنورة خلال فترة إمارة ابن إبراهيم آل عليها، إنشاء الطريق الجديد إلى مسجد قباء وكان الطريق الذي شقه فخري باشا إلى قباء قد اندرست معالمه فبعد رحيل العثمانيين عاد أصحاب البساتين التي شقت فيها الطريق وأغلقوا بساتينهم في وجه العابرين واستعادوا الأرض التي خصصت للطريق واضطر المتجهون إلى قباء لاستخدام الطريق القديم الملتوي فأعادت البلدية دراسة الطريق وبدأت بشقه ثانية في رجب 1351ه، وقد اشترى عبدالعزيز آل إبراهيم بعض القطع المملوكة لبعض أصحاب البساتين من ماله الخاص وأوقفها للطريق وتبرع لبعضهم الآخر بالقطع التي سيمر بها الطريق من أرضه، وقبل نهاية العام كان المتجهون إلى قباء يسيرون على طريق مستقيمة تبدأ من باب العنبرية وتنتهي بمسجد قباء. وفي تلك الفترة نشطت الحركة التجارية في الأسواق وانتظم السفر بين المدينةومكة بالسيارات نتيجة الأمان الذي بدأ الناس ينعمون به، كما ارتفع عدد الوافدين إلى الزيارة في المناسبات المختلفة، كذلك خطا التعليم في المدينةالمنورة خطوات واسعة تمثلت في إنشاء المدرسة الناصرية في باب الكومة والمدرسة المنصورية في الهاشمية ومدرسة النجاح في الداودية فضلا عن حلقات الدراسة في المسجد النبوي التي نظمت بقرار من الملك عبدالعزيز، وخلال هذه الفترة المضيئة في تاريخ المدينةالمنورة أختير ثلاثة من كبار أبناء المدينة ضمن أول بعثة تعليمية توفدها الدولة إلى مصر لإكمال دراستهم الجامعة وهم أحمد العربي الذي رشح لدراسة القضاء الشرعي في جامعة الأزهر وولي الدين أسعد الذي رشح للدراسة في دار العلوم، وحمزة نائل دويدار الذي رشح للدراسة بكلية الزراعة . وفي المجال الثقافي شهدت المدينةالمنورة حركة ثقافية نشطة وتكونت الجماعات الأدبية التي يلتقي أعضاؤها لتدارس شؤون الأدب والأدباء المثقفين، وكان من ثمار هذه النهضة الأدبية والثقافية ظهور فكرة إصدار مجلة المنهل التي لاقت ترحيب آل إبراهيم .