لعل من النادر جداً أن تتفق الناس على موضوع بعينه. وكثيرا ما كنا شهودا أو مشاركين في نقاشات وأحيانا جدليات الاختلاف في أمور دينية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو حتى رياضية. الذي لا شك فيه أن الاختلاف سنة من سنن الله في خلقه: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود 118) وبرغم أن الاختلاف ليس مقصوراً على المجتمعات العربية إلا أن من جرب الدخول في قضية عامة سيرى العجب في الردود التي سيسمعها مهما كان مستوى المشاركين الثقافي والديني إلا من رحم ربي وقليل ما هم. ومن أراد أن يطلع على بعضٍ من شواهد ذلك فما عليه إلا أن يدخل منتدى رياضيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو دينيا، أو أن يتابع بعض ذوي الشعبيات من المغردين في تلك المجالات. ولأنه لايوجد إلا الرقيب الذاتي في مثل تلك المحافل فإن الناس تكون على سجيتها في ردودها. والغالب في تلك الردود هو البعد عن الموضوع والهجوم على شخص الكاتب. بل إن بعضهم لايقرأ الموضوع بل يكتفي بالاطلاع على بعض الردود أو يقرأ العنوان فقط. بالطبع لن نتوقف عند الشتم والقذف والتكفير والتخوين وتهم التغريب والخنوع الذي يمارسه المعارضون فهذا لايستحق الإشارة إليه إلا من قبيل استقباح المستقبَح. سأتوقف عند من عارض ولم يشتم فقد سلحه التراث العربي بجمل اشتهرت في جدليات كثيرة، وهذه بعض أمثلة: "ألقمه حجرا" "القافلة تسير ..." "ما ضر السحاب..." وإذا بلغ بالمخالفين الأدب مبلغه فإنهم يتجاوزون موضوع النقاش ليستعينوا بالمزيد من الجمل المعلبة: "من تحدث بغير فنه أتى بالعجائب" "من أنت حتى..." "ليتك تتحدث بكذا..." "صاحب السبع صنايع..." في المقابل هناك جدليون كلما تابعت مواضيعهم يظهر جدلهم في كل شيء يتناولونه. الحل مع مثل هؤلاء هو تركهم ف"النقاش مع المجادل كالرسم على اللهب يحرق أصابعك ولا يظهر الرسم" لابد من التأكيد مجددا على أن الاختلاف ليس عيبا بل سنة من سنن الله في خلقه. اختلفنا فيما سبق وسنختلف لاحقا، ومن هنا فمن الضرورة أن نحافظ على أدب الاختلاف وأن نحتفظ دائما بهدوئنا وأخلاقنا. ولعل الاختلاف هو من المواقف التي تكشف عن معادن النفوس ومدى ما تتمتع به من العدل والأدب والإحسان. وكم من خلاله تعرفت على أخيارٍ خالفوني الرأي وأسروني بأدبهم ورقيهم وكسبت معرفتهم.