السقاية والرفادة.. عنوان الكرم والضيافة التي اشتهرت بها قريش منذ القدم، وعملت من خلالها على تكريس مفهوم التضامن الاجتماعي، وجمع قبائل العرب من حولها. وفي يومنا الحاضر، حيث تتغير الوسائل دون تغير الأهداف والغايات النبيلة، ما زال الكثيرون من أهل الخير، أفراداً ومؤسسات، يسعون إلى تحقيق معاني الإحسان بأبهى صوره. فقبل عام تقريباً، انطلقت فكرة ريادية من مؤسسة "منارة الغذاء" سميت بمشروع "سقيا داخل الحرم"، بهدف تطوير الخدمات المقدمة لحجاج بيت الله الحرام وقاصديه. وقد بارك هذه المبادرة ودشّنها الرئيس العام لشؤون المسجدين: الحرام والنبوي، وإمام الحرم المكي الشريف، الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، ليبدأ العمل بعد ذلك ب6 حافظات مياه معدة لهذا الغرض. وكتب لهذا المشروع أيضاً مزيد من النجاح مع تجربة (جمعية هدية الحاج والمعتمر) التي تعمل بعدد 100 حافظة في ساحات الحرم، وقد حققت نجاحاً من حيث تنظيم وترشيد الطاقات، وتوفير فرص عمل للشباب السعوديين في المدينة ومكة والمشاعر المقدسة خلال الموسمين الماضين. وعقدت هذه المؤسسة منارة الغذاء بقيادة رائد الأعمال عبدالرحمن حمود الحوشان، الذي يطمح إلى أن يكون لهذا المشروع أهداف أكبر وأعظم في المستقبل، شراكة مع (جمعية إنسان) التي دعمت هذا المشروع أيضاً، واشترت مجموعة من هذه الحافظات وقدمتها للشباب الأيتام الذين تركوا الجمعية بعد بلوغهم 18 عاماً، لغرض الانتفاع بها، فضلاً عن مساعيها في توفير الفرص لتشغيل الأسر. ويمكن القول بأن هذه التجربة انطلقت بنجاح في دوري الخليج، إذ تبيّن أن الدخل الذي وفرته كل حافظة تراوح بين 1000 إلى 2000 ريال في المباراة الواحدة. وبهذا فقد وفّر المشروع فرصة عمل جيدة للكثيرين. وأسهمت أيضاً شركات خاصة في دعم هذا التوجه، مثل: "علي كافيه" التي اشترت عدداً من هذه الحافظات وزودتها بالقهوة، ثم قدمتها لمجموعة من الشباب الحاصلين على التدريب اللازم في مهارات البيع والتعامل مع العملاء، كجزء من المشروع الذي تنفذه "منارة الغذاء". وقد توج نجاح هذا المشروع، صدور تصريح رسمي من رابطة دوري المحترفين السعودي يسمح لمنتسبي الجمعيات الخيرية دخول الملاعب وبيع مثل هذه المنتجات. كذلك المشاركة في مهرجان التمور في بريدة ودوري عبداللطيف جميل، وغيرها من المحافل الرياضية والوطنية. كما تم تكليف ضابط للاتصال في الجمعيات الخيرية، للتواصل مع الشباب الراغبين في العمل، فضلاً عن العديد من المساعي الأخرى لنشر فكرة هذا المشروع على نطاق أوسع، والحصول على دعم أكبر من المتبرعين لشراء حافظات إضافية. ما نتمناه اليوم هو تفعيل هذا المشروع على نحو أكبر وملحوظ، والسماح للجمعيات الخيرية بالنشاط داخل الحرمين وخارجه، فذلك لا يرفع من جودة الخدمات المقدمة للحجاج والزوار فحسب، بل يسهم في تطوير مفهوم "الخدمات الاجتماعية" في أرض الحرمين الشريفين. في الحقيقة، إن مثل هذه التجارب المبدعة والمشروعات الريادية، تدفعني إلى القول دائماً: لقاء رواد الأعمال الأكثر إبداعاً في المملكة والحديث معهم، يعد أمراً ملهماً؛ فأفكارهم منارة تضيء مستقبل الأجيال المقبلة.