إن القلب ليحزن وإن العقل ليذهل حين يرقب المسلم ما حصل في منطقة الحدود الشمالية من هذه البلاد المباركة، من أعمال إرهابية، والتي قام بها أقوامٌ ضلوا الطريق وتلوثت عقولهم بأفكار خبيثة، أعمالٌ تتضمن مفاسد كبيرة وشروراً عظيمة، تحمل بين جنباتها استعداداً لقتل الأنفس المسلمة ظلماً وعدواناً، قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أخرجه أحمد والبخاري، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) أخرجه الترمذي، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)، وحين قتل أسامة بن زيد رجلاً تأولاً بعد أن سمعه ينطق بالشهادة قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!). إن هذه الأعمال الإرهابية الشيطانية لا تقوم على أساس شرعي، ولا تقبلها العقول السليمة والفطر السوية، وهي فعلة مستهجنة شنعاء، تتضمن البغي والظلم، فليس من أخلاق المؤمن الخيانة والخروج على ولي الأمر وشق عصا الطاعة ومفارقة الجماعة، بل هذه من أخلاق أهل الجاهلية الأولى. ما حصل في منطقة الحدود الشمالية جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، فهي تتضمن حمل السلاح على المسلمين وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار). وتضمنت أيضاً مفارقة الجماعة وشق عصا الطاعة، وهي كبيرة من الكبائر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهلية) أخرجه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقةً الإسلام من عنقه) أخرجه أحمد وأبو داود، وهذا الفعل مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين بغوا في عهد الصحابة -رضي الله عنهم- فقاتلهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وأمروا بقتالهم، امتثالاً لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال عنهم: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم، فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة). أخرجه البخاري ومسلم. وتضمنت أيضاً اعتداء على رجال الأمن، وهذه جريمةٌ كبرى؛ لأنهم مسلمون، يحافظون على دماء المسلمين وأعراضهم وأمنهم، والمسلم في شريعة الإسلام معصوم الدم والعرض والمال، ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة. وتضمنت هذه الجريمة أيضاً إشاعة الهلع وإثارة الفزع، وتأجيج نار الفوضى، وخطورة ذلك لا تخفى على أهل الإيمان. إن التفريط في أمن المجتمع تدميرٌ له ولمكتسباته ودعائمه، لذا يجب علينا جميعاً أن نسعى للحفاظ على هذا الأمن، وذلك بتقوى الله أولاً، ثم الالتزام بكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والالتفاف حول قادتنا ومن ولاه الله أمرنا -حفظهم الله- من كل سوء ومكروه. ثم إن القرآن العظيم قد بين أن سمة المنافقين زعزعة أمن المجتمع والإفساد فيه وإشاعة الفتنة بدعوى الإصلاح، قال الله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). إذا تفيأ المجتمع ظلال الأمن والأمان وجد لذة العبادة وذاق طعم الطاعة، ويكون الطعام هنيئاً والشراب مريئاً والعيشة مطمأنة، فالأمن مطلبٌ أساسٌ لجميع الناس، خاصة في المجتمعات المسلمة التي تتمتع بالإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح منكم آمناً في سربه معافًى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). بالأمن تعمر المساجد، وتقام الصلوات، وتحفظ الأعراض، وتؤمن السبل، وينشر الخير، وتقام الحدود، وتنتشر الدعوة، وتطبق الشريعة، وإذا اختل الأمن حكم اللصوص وقطاع الطرق. إن أمن الفرد جزءٌ من أمن مجتمعه، وتوطيد الأمن يستلزم أن يؤدي كل فرد مسؤوليته في حفظ الأمن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع، ولككم مسؤول عن رعيته). إن شناعة الجريمة التي أقدم عليها خوارج هذا العصر الأنجاس والتي أعلنت عنها وزارة الداخلية، جلية لا تكتنفها شبهة، وناصعة لا شك فيها، بماذا سيجيبون عن دماء المسلمين التي سالت، وأشلاء بريئة تناثرت، وأفعال طار بها العدو فرحاً؟! إن الأمة إذا أرادت الأمن والأمان والسلامة والاستقرار، فلا بد أن تتقي الله، وتلتزم جادة الاستقامة والطاعة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، على المنهج القويم، منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، ثم إن التحصين لشبابنا هو ترسيخ المنهج المعتدل الوسط في نفوسهم، ونشر العلم الشرعي بالأسلوب المعتدل في المدارس والجامعات والمساجد، ونبذ الأفكار المنحرفة المتشددة أو المتساهلة. هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية محفوظة بحفظ الله تعالى لها، فلنحافظ جميعاً على أمن هذه البلاد، ولنكن صفاً واحداً مع ولاة أمرنا، ولندعو الله لرجال أمننا أن يحقق الله النصر على أيديهم. * أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء