أضاء الدنيا مقدمه ووُلد العالم من جديد بولادته وبدعوته خرج الناس من الظلمات إلى النور، وتحولوا من الشرك إلى التوحيد، إنه أشرف الخلق وسيد البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، الذي أُوحي إليه من ربه. تتوافق وتتزامن هذه الأيام مع مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كنت لست متخصصاً شرعياً لأتحدث حول موضوع كهذا، إلا أنني أحببت أن أدلي بدلوي وأسهم بأحرفي لعلي أنال شفاعة الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فأقول إن مقام النبوة الشريف أشرف وأعز من أن يُطرق باحتفال لا يمت لسنته ولا لهديه بصلة. العلماء الربانيون وأهل الشرع والاختصاص الذين ورثوا العلم عن نبي الهدى أفادوا في ذلك وبينوا حرمة الاحتفال بالمولد، ولم يرِد عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك ولا الخلفاء الراشدين، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً ولا التابعين لهم - وهم أعلم الناس بالسنة - وأكمل الناس حباً وقرباً له ومتابعةً لشرعه من الذين بعدهم أنهم أقاموا احتفالاً بمولده، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، أي: مردود عليه. على الرغم من أن النصوص الصريحة الواضحة لم تشر إلى أنه أوصى بالاحتفال بمولده، إلا أن هناك من يرى مشروعيته بل وينادي بضرورة الاحتفال به فيضل نفسه ويضل الجهال غيره! أمر الاحتفال لم يعد مناسبةً تتكرر سنوياً فحسب، بل أصبح مسرحاً تقام فيه المنكرات من المعازف وآلات الموسيقى وما يصحبهما من أمور لا يرضاها الله ولا رسوله وهي في منأى عن تعاليم الإسلام السمحة. "مَن أحب شيئاً أكثر من ذكره" فإن كان المحتفلون يدّعون حبه ويحييون ذكره في تلك المناسبة، ومن ثمّ ينسونه - بارتكاب ما يخالف هديه من المخالفات الشرعية السالفة الذكر وغيرها في سائر أيام السنة - فإن ذكراه فينا ما تزال حيةً باقيةً وسيرته العطرة لا تختزل في يوم أو ليلة أو مناسبة بل هو معنا في كل آنٍ وحين، نرطب ألسنتا بالصلاة والسلام عليه دوماً ونشنف مسامعنا بترديد اسمه. ختاماً، إن أعظم احتفال ينبغي أن يكون هو عندما نبلغ الكمال في تطبيق سنته صلى الله عليه وسلم ونقتدي به ونمتثل في سائر أقواله وأفعاله، وإن محمداً تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ورسم معالم الطريق لنسير على هديه ونقتفي أثره، فما يحيد عن طريقه إلا هالك. أسأل الله أن يثبّت كل مهتدٍ مقتد وأن يرد كل محدث من الابتداع إلى الاتّباع.