على هامش الندوة الصحية التي أقامتها السفارة الكورية بالرياض مؤخرا، والتي تناولت التعاون بين المملكة وكوريا في مجال الرعاية الصحية، واستعرضت الكثير من التقنيات الطبية الكورية، التقت "الرياض" سعادة السفير الكوري بالمملكة كيم جين سو، وعرضت عليه بعض الأسئلة التي تتعلق بأوجه التعاون المختلفة بين البلدين وخصوصا في الجانب الصحي، حيث بين العديد من المبادرات والتعاون بين البلدين في المجالات الصحية والأبحاث والتدريب، مؤكدا أن لدى البلدين لغة مشتركة لتبادل المعرفة والعلوم، مبينا أن الشركات الكورية تتعاون مع السعودية من خلال المشاركة في مشروعات البناء الكبيرة كبناء محطات الكهرباء وتوليد الطاقة وبناء المصانع وتأسيس نظام معلومات المستشفيات، حيث إن كوريا تسعى لتقديم أفضل الخدمات الصحية والطبية بالمملكة، منوهاً بأن البلدين يسعيان لتبادل الفرص الاستثمارية والتجارية، وتسهيل التعاملات والتعاقدات التجارية بينهما.. وفيما نص الحوار: المملكة تلعب دوراً مهماً في الاستقرار والسلام في المنطقة.. والنمو المستمر يجذب المستثمرين الأجانب نتعاون في مشروعات بناء محطات الكهرباء وتوليد الطاقة والمصانع وتأسيس نظم معلومات المستشفيات - سعادة السفير بمناسبة عقد ندوة التعاون بين السعودية وكوريا للرعاية الصحية، ماهي ابرز التطورات التي ركزت عليها الندوة ؟ *خصصت كوريا خلال العقود الماضية استثمارات كبيرة في مجال البحث والتطوير في المجال الصحي والطبي، ومزجت التقنيات الصحية والطبية مع تقنيات المعلومات والاتصالات بما تتمتع به كوريا من القدرة التنافسية القوية على مستوى العالم في المجالين الصحي والطبي، وبما أن المملكة تعد شريكا هاما لكوريا في هذين المجالين، فقد نشأ التعاون بين البلدين في المجالين الصحي والطبي وشجع على ذلك ما لدى كوريا من إمكانات كبيرة في صناعة الأدْوِية، وبحث وتطوير الأدوية، وتقنيات الأجهزة الطبية التي تُعْتبَرُ كوريا دولة متقدّمة فيها على الساحة الدولية بالإضافة إلى ذلك، نظام معلومات المستشفيات وغيره من المجالات العامة، وتَشهد البلدان زيادةَ التبادلات في هذه المجالات خلال الأعوام الأخيرة. وقد ركزت هذه الندوةُ على الأجهزة الطبية وهدفتْ إلى عرض الأجهزة الطبية التي تُنْتَج بالتقنيات الكورية المتطوِّرة في السعودية، وشارك في هذه الندوة حوالي 100 رجل أعمال سعودي ما يَعكس اهتمام وإرادةَ رجال الأعمال الكوريين والسعوديين تجاه تعزيز التعاون في هذين المجالين. - ما هي أهم القدرات الصحية التي تم عرضها في هذه الندوة ؟ *يتطْلب المجالانِ الطبي والصحي استراتيجيات خاصة تعكس متطلبات السوق، وتم دعوة الخُبَرَاء للاِستِمَاع إلى خبرات وتجارب الحضور لتعمّيق الفهم في الصناعة الطبية والصحية السعودية، وفي نفس الوقت، تطلّعْنا للِتعريف بصناعة الأجهزة الطبية الكورية في السوق السعودية، كما دعونا خُبراء كوريين للاطْلاَع على ما تشهده الصناعة الطبية والصحية هنا وقد عرضْنَا إمكاناتنا من خلال التعريف بتجارب الشركات الرئيسية الكورية في هذا المجال. وعد المشاركون في هذه الندوة أنها كانت فرصة مفيدة لتعميق فهم الأعمال في المجالين الصحي والطبي، وعرض المحاضرون منتجات كورية ذات تقنية متطورة في المجال الطبي وكيفية تحقيق النجاح في السوق العالمية. - كوريا نالت اعترافا كبيرا بتقنيتها وخبراتها المتميّزة، فهل تنوي المشاركة في المشروعات التنموية الكبيرة التي تشهدها المملكة، وخصوصا في مجال تكنولوجيا المعلومات؟ * يَرْجِعُ تاريخُ التعاون بين كوريا والمملكة العربية السعودية إلى حوالي 50 عاما، وتَقُوم العلاقة الاقتصادية بين البلدين على قاعدة متينة وتشهد تقدُّما ملحوظا مع مرور الوقت، ودخلت الشركات الكورية للبناء والتشييد سوقَ المملكة في السبعينيات من القرن الماضي وأسهمت في تأسيس البنية التحتية ، ومازالت الشركات الكورية تتعاون مع السعودية من خلال المشاركة في مشروعات البناء الكبيرة على سبيل المثال: بناء محطات الكهرباء ومحطات توليد الطاقة وفي المجالين الصحي والطبي مثل بناء المصانع وتأسيس نظام معلومات المستشفيات، ومن جهة أخرى يشهد البلدان زيادة التبادلات في مجال الطاقة التي تتمثل بالطاقة المتجددة والطاقة النووية. واحتلت كوريا المرتبة الأولى في هذا العام لثلاث سنوات متتالية في قائمة تقييم الحكومة الالكترونية التي صدرتها الأممالمتحدة، كما ارتفعت نسبة قطاع التصنيع في كوريا وتُركِّز حكومةُ كوريا على تحقيق النقلة النوعية بجمع قطاع الصناعة وتقنيات المعلومات والاتصالات، وفي الواقع تُعد كوريا دولة متصدِّرة من حيث مستوى براءة الاختراع كمًا ونوعًا. ووضعت حكومةُ كوريا أهمية كبيرة على الاستثمار في الموارد البشرية منذ تأسيس الدولة بسبب قلة الموارد الطبيعية، وتُعتبر مستويات كوريا في مجال التعليم والتدريب درجة أولى في العالم، كما احتلتْ كوريا المكان الأول لأربع سنوات على التوالي في المسابقة العالمية للمهارات وتُعد واحدة من الدول المتقدمة في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. والمملكة العربية السعودية تركّز على الاستثمار في الموارد البشرية من خلال التعليم والتدريب وتعمل على تطوير الصناعات الجديدة وتحقيق الحكومة الالكترونية. لذا نُقدِّرُ أن تكون السعودية شريكا نموذجيا يحمل إمكانات كبيرة في كل المجالات، وكوريا تستعد لتوسيع نطاق التعاون مع السعودية. - ألا ترون أن التعاون فيما بين كوريا والسعودية خصوصا في المجال التجاري لم يرق إلى مستوى الطموحات بين البلدين؟ * تشكِّلُ كل من المملكة وكوريا شريكين مُهِمّين في مجال الاقتصاد والتجارة لِبعضهما البعض بالإضافة إلى ذلك يعيش البلدان تطورا كبيرا في المجالات المتعددة. وعلى الساحة الثقافية شاركت كوريا في مهرجان الجنادرية في 2012 وفتحت معرض الخزف في 2013 وأعدتْ عرضًا ثقافيًا بمناسبة افتتاح اليوم الوطني ودعت خبراء الخزف السعوديين لكوريا في أوائل 2014 وتجري برامج لتدريبهم، وبلغ عدد السعوديين الذين زاروا كوريا 8,000 في 2012 و 10.000 في 2013. وبعد استئناف الحركة الجوية المباشرة للخطوط الجوية الكورية في 2012 ازداد عدد الكوريين الذين اتجهوا إلى السعودية باستمرار خلال السنوات الماضية ما يمثل خير دليل على تعمّق العلاقة بين البلدين. ويتعلم حوالي 600 طالب سعودي وطالبة سعودية في 300 جامعة في كوريا حيث يدرسون التخصّصات المختلفة بما فيها الهندسة، الطب، العلوم الإنسانية وغيرها، وتم ترسيخُ برنامج تبادل الشباب الذي تدعمه حكوماتنا منذ 10 سنوات ماضية وتزداد تبادلات الشباب التي يدعمها القطاع الخاص أيضا. المهتمون من الدولتين حضروا الندوة الطبية - ما رأيك بما وصلت إليه المملكة في المجال الطبي وما دور كوريا في هذا التطور؟ * قام وفد من مسؤولي المستشفى الكوري بزيارة للمملكة في الآونة الأخيرة، حيث تجولوا بالمستشفيات والمرافق السعودية وكان لديهم انطباع خاص من المستويات المتطوِّرة في المجال الطبي، ونتوقع أن تسهمَ التقنياتُ والأجهزةُ المتميزة والأنظمةُ المتطورة لكوريا إسهامًا في إرساء نظام معلومات المستشفيات وتطوير التقنيات الطبية والصحية وتحسين الأنظمة الطبية في السعودية. وتبذل الشركات الكورية والسعودية التي تعمل في المجالين الطبي والصحي جهودها للبحث عن شريك لأعمال بعضهما مع البعض الآخر، فمن الممكن أن نتوقع أنْ يُنتِج مشروعُ البحث المشترك للطرفين في تطوير الأجهزة الطبية وإنتاج الأدوية نتائج إيجابية لا تقتصر على خلق فرص العمل فقط بل وتوطيد قاعدة التعاون أيضا من خلال تقاسم التكنولوجيات. - المملكة من أكبر الدول التي تزود كوريا باحتياجاتها من النفط كيف تقيمون العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟ *كل من كوريا والمملكة عضو في مجموعة العشرين وتتعاونان في الساحة الدولية وتستمر الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، بين البلدين وقد زار الرئيس الكوري السابق المملكة في 2012م وتم افتتاح المباحثات بين رئيسة كوريا بارك كون هيه وولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، على هامش اجتماع مجموعة العشرين الذي عقد في بريزبن خلال يومي 15-16 من شهر نوفمبر الماضي . ووصل عدد الزيارات على المستوى الوزاري إلى 20 مرة خلال السنتين الماضيتين وسوف يشهد البلدان تبادلات عديدة على المستوى الوزاري بغضون الأشهر القادمة ما يظهر تعمّق العلاقة، ومنذ إقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين في 1962 تتقدّم العلاقةُ دونَ توقّف أو تراجع ونجد الدليل ليس في حجم التبادل التجاري والاقتصادي فقط بل بزيادة التبادلات البشرية والثقافية أيضا. -كوريا شاركت في مهرجان الجنادرية عام 2012 كضيف شرف كما ذكرتم، فهل ذلك يعد قفزة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين؟ *شاركت كوريا في مهرجان الجنادرية عام 2012 كضيف شرف حيث عرَّفَتْ ما تَمْتَلِكُ كوريا وعرضتْ الثقافات الكورية، وفي نفس الوقت كانت مشاركة كوريا في المهرجان فرصةً سانحةً لتعريف المملكة بالشعب الكوري، وكان فرصةً نموذجية تعود بالفوائد للدولة المضيفة والدولة المستضافة، وقد زار رئيس كوريا السعودية بمناسبة مشاركة كوريا في المهرجان وتشاور الزعيمان حول إمكانية توسيع التعاون في مجالات جديدة متعددة وتوصَّلا إلى الموافقة على تعمُّق التعاون في المجالين الصحي والطبي، وبناء على ذلك زاد التعاون والتبادل في هذين المجالين خلال 2-3 سنوات ماضية. وجاءت هذه الندوة الخاصة بالمجالين الطبي والصحي بعد زيارتي وزيري الصحي الكوري والسعودي في 2013م، وتم تنشيطُ الحركات في هذين المجالين في القطاع الخاص أيضا، وكل هذه الإنجازات جاءت بعد التشاور الذي أجراه الزعيمان في 2012 بمناسبة افتتاح مهرجان الجنادرية. -هل يسعى البلدان لتوطيد العلاقات التشاورية في القضايا المختلفة الراهنة بما فيها الأمن والإرهاب؟ * تُقدِّر كوريا الدور المهم الذي تَلْعَبُهُ المملكة ودول مجلس التعاون لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة في ظل الظروف المضطربة في منطقة الشرق الأوسط، ونتوقّع أنْ تُسهم جهودُ السعودية ودول المجلس في حل المشاكل واستقرار المنطقة من خلال الحوارات والجهود الدبلوماسية. وتَقلق كوريا إزاء الاستمرار في حالة عدم الاستقرار في سورية والعراق واليمن، وتعمل على دعم وتأييد جهود المجتمع الدولي لتحقيق الأمن في المنطقة عن طريق تقديم الدعم الإنساني في العراق وسوريا وتشارك في الاجتماعات الدولية المتعلقة بها. وعلى الساحة الدبلوماسية، تقف كوريا والسعودية في منظمات متعددة الأطراف كالأممالمتحدة جنبا إلى جنب وتجريان مباحثات ذات عمق في حوار استراتيجي بين كوريا ودول مجلس التعاون وحوار التعاون الآسيوي. - الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في المملكة هل يغريان الشركات الكورية في الاستثمار في السوق السعودي ؟ - تلعب المملكة دورا مهما كمحافظ على الاستقرار والسلام في المنطقة التي تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية وتُحاط بالغموض، ويُمثِّلُ الاستقرار السياسي والاجتماعي عناصر أساسية ورئيسية في بناء بيئة مناسبة للاستثمار، وفي هذا السياق نرى أنّ الاستقرار السياسي وتوقعات النمو المستمر في المملكة تأثّرت تَأثيرا إيجابيا على المستثمرين الأجانب. فعلا، زاد مبلغُ التبادل التجاري بين البلدين من 31.4 مليار دولار في 2010 إلى 46.5 مليار دولار في 2013 ومن المتوقع أنْ يَصل مبلغُ التبادل بين البلدين لهذا العام إلى مستويات السنة السابقة. أما في مجال الاستثمار، فكوريا استثمرت في المملكة حوالي 170 مليون دولار في 2013 وتزيد الاستثمارات الكورية المتراكمة على 600 مليون دولار. - ما هي التطلعات التي تترقبونها من رجال الأعمال السعوديين للاستفادة من التقنيات والخبرات الكورية؟ *لا تمتلك كوريا من الموارد إلا الموارد البشرية، فمن الضروري أنها تسعى لتحقيق النمو من خلال تربية وتعليم الموارد البشرية، ويرجع سببُ النمو الكبير الذي حققتْهُ كوريا خلال فترة وجيزة إلى الاستثمار في التعليم على المدى البعيد وتنمية الصناعات وخصوصا الصناعات التحويلية، كما تتمتع كوريا بالخبرات التي اكتسبتها خِلال الفترة الماضية وتلعب تنميةُ الموارد البشرية من خلال التدريب والتعليم المهني دورا مهما في تطور قطاع الصناعة الكوري، وشركات كوريا تُوسّع مجال أعمالها في الصناعة التحويلية السعودية من خلال بناء المصانع وتُتيح فرصَا للشباب السعودي لتلقي التعليم والتدريب المهني. وأنشأت السعودية قاعدة للتعاون مع قاعدة الصناعة التحويلية الكورية من خلال استثمارات في صناعات قطع الغيار للسيارات والالكترونيات والطاقة المتجددة في كوريا فهذا سوف يفيد في إرساء وترسيخ قاعدة الصناعة التحويلية في السعودية، ونقدّر أننا سوف نَجد إمكانات ضخمة للتعاون في مجال الطاقة كالطاقة المتجددة وتقنيات الطاقة النووية والمجالين الطبي والصحي. -الإعلام فيما يخص المشاريع السياحية الكورية في المملكة ضعيف، فهل هذا دليل على قلة الوجهات السياحية في كوريا ؟ *على الرغم من المسافة البَعيدَة بين البلدين، يزداد عدد الزوار الذين يسافرون من المملكة إلى كوريا ومن كوريا إلى المملكة بعد استئناف الخطوط الجوية المباشرة في 2012م وتشتهر كوريا بالوجهات السياحية المتعددة لدرجة أنّ عدد السياح الذين زاروا كوريا بلغ 12 مليون نسمة في 2013م ، وحصلت جزيرة جيجو التي تقع جنوب شبه الجزيرة الكورية على 3 جوائز من اليونسكو وهناك أكثر من عشرة أماكن تراث عالمي مسجلة على قائمة التراث العالمي في اليونسكو في كوريا. - ماهي المشاريع التنموية القادمة التي تنوي كوريا التعاون فيها مع المملكة؟ * في الآونة الأخيرة نجد توسعَ التعاون من المجالات القائمة التي تمثلت في البناء والتشييد والطاقة إلى المجالات الجديدة والناشئة كالمجالين الطبي والصحي وتقنية المعلومات والاتصالات والحكومة الالكترونية وصناعة قائمة على المعرفة وتنمية الموارد البشرية. وقد شارك عدد كبير من الشخصيات من الحكومة السعودية ورجال الأعمال السعوديين في منتدى الأعمال الكوري-السعودي الذي انعقد في سيئول خلال الفتره من 29-31 أكتوبر، ما يعد خير دليل على مستوى العلاقة القوية بين البلدين، ومن المقرر أنْ تُفتتح لجنة مشتركة على مستوى وزاري في 26 من الشهر الجاري في الرياض، ونتمنى أن نحصل على نتائج مثمرة ونبحث عن مجال كبير للتعاون ونتشاور في سبل تعزيز وتوطيد العلاقات بين جمهورية كوريا والمملكة.