يبدو أن الشركات العائلية ستواجه الكثير من التحديات في مجال أعمالها التجارية والصناعية، خاصة مع ما يشهده العالم من تحولات جذرية وتكتلات اقتصادية وانفتاح في المجال التجاري العالمي وتوسع في حرية التجارة مما يشكل خطراً على مستقبل هذه الشركات العائلية ويضعها في المواجهة مع ذاتها لترتيب أوضاعها الداخلية قبل خوض معركة المنافسة العالمية المقبلة، وبالرغم من أن الشركات العائلية قد حققت العديد من النجاحات التجارية خلال العقود الماضية لدرجة أنها أصبحت ولا تزال تشكل دعامة هامة من دعائم الاقتصاد الوطني في كثير من دول العالم، إلا أن استمرار نهج المركزية والتقليدية في الإدارة سيؤدي بلا شك الى عدم قدرتها على مواجهة تحديات السوق لأسباب عديدة منها تعمق الخلافات بين افراد العائلة المالكة للمشروع إضافة الى طغيان النفوذ العائلي في المناصب الإدارية العليا مما قد يضعف معايير الكفاءة ويحرم الشركة من الكفاءات المتخصصة القادرة على النهوض بالشركة نحو الأفضل. ومن المعلوم بداهة أن نجاح أي شركة في المستقبل مرهون بوضعها الحالي، فاستشراف الغد يتطلب دراسة أوضاع الشركة بأبعاد مستقبلية فالأسرة لم تعد تلك العائلة الصغيرة والأبناء جميعاً يتطلعون للمشاركة في الملكية والإدارة وهذه الحقيقة التي يجب مواجهتها بحكمة، فتحويل العمل التجاري إلى شركة تملكها الأسرة جميعاً بالنسب المتفق عليها شرعاً في حياة المالك سيضمن تصوراً واقعياً عن مستقبل الشركة غداً حتى لو اضطر احد افراد الأسرة لبيع نصيبه في الشركة فسيكون هنالك شريك بديل قادر على شراء هذه الحصة وهذا نوع من ضمان الاستمرارية الذي يتطلب من جهة أخرى فصل الملكية عن الإدارة فكون جميع العائلة شركاء في الملكية بحسب انصبتهم المتعارف عليها ولهم مقدار معين من الدخل والأرباح يقلل من نسبة النزاع حول هذه الشركة لكنه لا يلغيها. وكما أسلفنا فإنه لا يكفي أن تتحول المنشأة العائلية الى شكل قانوني آخر من اشكال الشركات التي تتناسب مع طبيعة اعمال الشركة دون فصل الملكية عن الإدارة فمثلاً الغالب على هذا النوع من الشركات ان يقوم بإدارتها احد الأبناء (الشركاء) مما يعني إمكانية استئثاره ببعض المميزات دون غيره حقيقة او ظناً وحتى تبرأ ذمة هذا الشريك الذي يقوم بإدارة الشركة وتسلم نفوس البقية من الشك وغيره فلا بد من إضفاء المشروعية على هذه المميزات لتكون حقاً مكتسباً من خلال فصل أتعاب المدير عن حقوق الملكية بموجب عقد إدارة مستقل تحدد في الحقوق والواجبات ويوافق عليه من قبل مجلس الإدارة (الملاك) ويضمن في الوقت نفسه عدم وجود قضية محاسبة المدير او استغلال السلطة. ونخلص إلى ان الشركات العائلية تواجه العديد من الصعوبات والمعوقات التي يجب التنبه لها قبل أن تستفحل وتصبح واقعاً مؤلماً وملموساً، ومن ذلك ارتباط عمر الشركة الزمني بحياة المالك التي قد تنتهي بالوفاة كنتيجة طبيعية او عدم قدرته على مواصلة العمل او طغيان نفوذ بعض الابناء دون غيرهم نتيجة انشغال المؤسس او مرضه او غيرها من المعوقات التي تجعل من المالك غير قادر على مواجهة حقيقة انه لم يعد مؤثراً في قرارات الشركة وبالتالي ستنشأ العديد من المشاكل الصعبة والمعقدة التي قد تتسبب في تفتيت الأسرة والشركة معاً، ولن تبقى سوى المزيد من المشاكل والاحقاد التي ستتوارثها الاجيال بدلاً من الثروة والنجاح.