معذرة يا معالي الوزير فأنا والله أحبك في الله وأدعو الله أن تحبني في الذي أحببتك فيه. أما بعد: لا يوجد مسؤول ناجح في العالم إلا وله مستشارون يستشيرهم في الأعمال المسؤول عنها، وكذلك يستعين يالمكاتب الاستشارية (وطنية وأجنبية) ويدفع مبالغ مالية ضخمة لقاء ذلك. لكن لا يقل أهمية (وربما أحيانا أكثر صدقا وفائدة) هو بعض ما يكتبه وما يقوله مجّانا الناس في وسائل الإعلام عن دائرته. وكبشر يطرب المسؤول للمديح ولو كان مبالغا فيه ويكشّر أنيابه للقديح ولو كان له ما يبرره. أنا لن أمدح ولن أقدح ولكن سأبدي رأيي كمتخصص اولا مؤيد لتصريحات معاليكم السابقة بأن المملكة ترحب بالبترول الصخري وأنه لا يهدد بترولنا بل يطيل عمره. وثانيا أنا معارض بشدة لما نسب لمعاليكم قولكم (غالبا محرّفا) إن معارضتكم الشديدة لخفض إنتاج اوبك هو للقضاء على البترول الصخري لأنه يهدد بترول اوبك وسيستولي على حصتها في السوق. بدلا من الاستطراد في الإنشائيات سأدخل مباشرة لتوضيح كيف أن البترول غير التقليدي (على رأسه البترول الصخري وإخوانه) ينقذ بترول المملكة من الاستنزاف الجائر بمقارنة الحالتين التاليتين: الحالة الأولى: وهي في حالة عدم وجود البترول الصخري فكلنا نعرف أن الجميع كان يطالبنا برفع إنتاجنا اليومي الى 15 مليون برميل فأكثر لتلبية احتياج العالم للبترول حتى أصبحت هذه الفكرة أمرا مسلّما به تقرّره وكالة الطاقة العالمية فنطيعها. ولقد اقتنع بالفكرة حتى بعض كبار المسؤولين داخل ارامكو وخارجها ورددها أنصاف المتخصصين من غير أن يعرفوا أنه لو تم فعلا إنتاج 15 مليون برميل في اليوم لن تطول المدة حتى يجف بترول حقل الغوار وحينذاك سيخلو الجو للبترول الصخري فيبيض ويصفّري. وفقا لتقرير ارامكو (حقائق وأرقام 2013) مقدار الاحتياطي القابل للاستخراج (خام + كوندنسيت) 260.2 مليار برميل. فعندما ننتج 15 مليون برميل ونستخدم معادلة حساب الذروة (وهي حقيقة وليست مجرد نظرية) بمعدل نضوب أقصاه لا يتجاوز 3 % (وفقا لسيناريوهات ارامكو) نجد أنه بالكثير بعد 14 سنة فقط سيبدأ إنتاج بترول ارامكو الانخفاض قسريا في رحلة وداع – قد لا تطول – للأسواق. الحالة الثانية: أوّل الحسنات لتطوير البترول الصخري على بترولنا أنه صرف الأنظار عن الإلحاح بمطالبتنا بزيادة إنتاجنا اليومي الى 15 مليون برميل فأكثر وبالتالي أصبح إنتاجنا حوالي 10.8 ملايين برميل (9.6 ملايين خام + 1.2 مليون كوندنسيت) وبذا بدلا من ان يبدأ الانخفاض القسري بعد 14 سنة فقط تأجلت بداية الانخفاض القسري الى 34 سنة اي بزيادة 20 سنة. من المسلم به أن كل برميل نخرجه من حقل الغوار سنفقده الى الأبد، وكل برميل نخرجه بعده سيكون أكثر تكلفة – رغم أننا لا نشعر بها – ولكنها تتراكم تدريجيا ولن تلبث طويلا حتى تصبح ككرة الثلج (أو كجلمود صخرة امرئ القيس) تتدحرج من أعلى قمة الجبل. الرّسالة: يجب أن نعرف أن البترول الصخري وأخوانه حتى لو نجحنا موقتا في إخراجهم من السوق فلن نستطيع أن نزيلهم من الوجود بل سيبقون في مكامنهم الآمنة جاهزين يتحينون فرصة ارتفاع تكاليف استخراج بترول الغوار ليطردوه شر طردة – كما طردهم والبادئ أظلم – من السوق. خاتمة: نرجو من أحبائنا ما يسمى حمائم منظمة اوبك ان لا يكونوا كالزوجة التي قطعت أنفها لتغيظ زوجها لأنه استبدل ليلتها بليلة لطبينتها (ضرّتها) الجديدة. موضوع زاوية الأحد القادم – إن شاء الله – بعنوان: درس للمبتدئين في اقتصاديات البترول.