لقد آن الأوان لكي يؤخذ على أيدي المحرضين الذين يقودون جبهات الصراع،، ينبغي مراقبة ما يكتبه مثيرو الفتنة على تويتر، فما يفعلونه ليس حرية رأي بل وباء ومرض عضال ينبغي استئصاله، بالأخذ على أيدي صانعيه، لكي يتعض الصغار والمتسلقون. لقد فاض الكيل وآن للدولة أن تضع حداً لهذا العبث. المطلوب الآن موقف أخلاقي وسياسي قوي لمواجهة ثقافة الكراهية التي يتم تصنيعها وتصديرها للبسطاء والناشئة تكشف الأحداث التي تروج في واقعنا الراهن عن أن فكر المنع يستند إلى قراءة موجهة للتراث بضرب خاص من التأويل، يُرجع المتعدد إلى واحد، والمتحرك إلى ساكن، والمنفلت إلى مقيد، والمباح إلى محرم، خدمة لإيديولوجيا منغلقة، أحادية المنهج والتفكير والإجراء. واضع أسس هذه الإيديولجيا التي تضيق بالآخر المختلف، هو الرجل ولا حضور للمرأة فيه سوى ما يكرسها موضوعاً يقع دائماً في دائرة الممنوع والمحرم. وظلت صورتها عالقة في هالة الممنوع والمحظور، حتى استقرت في الذاكرة الجمعية على هذه الكينونة، وتحول جسدها عامة ووجهها خاصة إلى دالٍ فاعل في تحريك حراس الإيديولوجيا، لحظة تحقق الوقوع في دائرة الممنوع. ويأتي دور المؤسسة / الموقف الجمعي متمثلاً في المحافظة على تغييب الوجه الذي اختزلوا فيه كل معاني الفضيلة والعفة والشرف الرفيع، حماية له من الأذى، وإلا فلا مناص من إراقة الدّم لضمان سلامته! لذا فقد اكتسب غطاء الوجه بعدًا رمزيًا دينيًا، جرت أدلجته، ليدل على المحافظة والكرامة، وتبعاً لهذا بات سلطة داخل الذات الأنثوية، ودالاً طاغيًا بقوته في النسق الاجتماعي. أما نزعه فليس إلا تجريدًا له من تلك السلطة، ومحركًا لثورة حراسه على كل الأصعدة؛ تحريضًا على الآخر الذي تجرأ فأسقط هيبة الغطاء، ما أفسح المجال لتحقيق التبادل االاتصالي بين الذات الأنثوية، وكل من شهد السقوط المدوي لسلطة الغطاء، وهذه نقطة تشكل لحظة حاسمة في وعي أنثوي تحول معه خطاب الجسد ممّا يملى عليه، إلى ما يمليه هو نفسه، وهنا يُثبت الحدث بسياقاته المختلفة سعي الوجه إلى الحرية، إن لم يكن هو الحرية ذاتها؟ باعتباره هوية الإنسان، وتغطيته طمس لها، وإعاقة عن تواصلها الإنساني، صادف هوى في الثقافة الذكورية السائدة التي تريد إقصاء المرأة عن الفضاء العام. من يلقي نظرة عامة على ما يكتب في تويتر وسواه، يصاب بالرعب من حجم الكراهية التي تدين في وجودها إلى صراع على المتخيل من التاريخ، الذي لا ينتمي حقيقة لواقع الحياة المعاصرة. لقد تحولنا من مجتمع هادئ مسالم إلى مجتمع يسوده عنف الخطاب، مجتمع يتصارع بعض أفراده ويرمي بعضهم بعضاً بتهم تمجها الآداب العامة وتتعالى عليها الهمم الشامخة، ويحذّر منها الدين! صار هذا الخطاب سمة تدل علينا وتميزنا عن باقي المجتمعات التي حولنا، فأيّ قدوة طيبة وأيّ سنة حسنة نقدمها للأجيال القادمة وللصغار في بلادنا؟ وكيف نجرؤ على محاسبة المراهقين الذين يتصارعون في المدارس والأسواق حتى صار بعضهم يحتكم لصوت السلاح في إنهاء خلافاته؟ كيف نردع هؤلاء وهم يرون ما يفعله بعض الكبار من فجور في الخصومة، ولولا بقية من حياء وخوف من عقاب لأشهروا السلاح في وجوه مخالفيهم؟ أصبحت المواقع الألكترونية الساحة التي تدور عليها رحى الصراع، تحريضًا وكذبًا وتغييرًا متعمدًا للأحكام الدينية، فما وافق أهواءهم ألبسوه لباسًا دينيًا، وما خالف أهواءهم أخرجوه من دائرة الخلاف الفقهي، وتمادوا في تطبيق أضيق الرؤى الدينية على المرأة السعودية، حتى باتت مكبلة بأغلالهم، ليس من تفسير لحجم الكراهية التي يبثها بعضهم، سوى أن ذلك استحضار وإحياء للأسوأ من ثقافتنا، إنها الصور النمطية عن الآخر المختلف تمهيداً لإلغائه نهائياً، وقتله قتلاً معنوياً، وإلا ما معنى التحريض على تبرؤ أهله وعشيرته منه، والتهديد برفع قضايا احتساب ضده، الأمر الذي لم يحدث مع عتاة الإرهابيين الذين فجروا ودمروا وسفكوا دماء بريئة، لهذا لم نستغرب أن يدعو أحدهم إلى تأديب الشيخ الغامدي ومحاكمته، ليس بصفته إرهابياً، بل لأنه خرق السائد بجرأته على مخالفتهم والتعبير عما يؤمن به، مما لا يتعارض مع مقولات الدين المجمع على صحتها. تبدأ ثقافة التعبئة بوضع الآخر، سواء أكان فتاة قادت سيارة، أو رجلاً خرج بصحبة زوجة كاشفة عن وجهها (كم من الرجال يفعلون هذا في الداخل والخارج) في مكانة دونية لإنقاص إنسانيته، وتجريده من دينه، ومحو وطنيته، ما يعني استباحته استباحاً مطلقاً، ولذا استخدمت الإيديولوجيات الشمولية عبر التاريخ التعميم والتنميط والاختزال، لتعبئة البسطاء لكي ينفذوا ما توحي إليهم به شياطين الإنس! نحن هكذا وهم هكذا، حيث تُلغى كل الفروقات لصالح الفكرة الاختزالية، ولأن المطلوب شيطنة الآخر تصبح هذه هي اللغة السائدة، وهنا تلعب الوصاية الدينية دوراً مؤثراً في حشد الأتباع، فالأدلجة المتشددة واحدة من أهم آلات التدمير المنظّم للعقل والتفكير الحر المستقل. لماذا نكره بعضنا؟ هل حاول العقلاء منا فهم أسباب هذه الحقيقة المروعة التي انتشرت بكثرة في بلادنا؟ ما يثير العجب أن من اعتاد على أن يقود حملات الكراهية بعض ذوي العلم الشرعي، الذين يفترض أن يكونوا قدوة للآخرين، ثم إن الدين الذي يشنون تلك الحملات دفاعاً عن تعاليمه، يرفض ما يأتونه من مخالفات صريحة لقيمه وتعاليمه، فالكلمة الطيبة سلاح بيد من أراد أن يقيم شرع الله، والأذى أسوأ عمل يمارسه المسلم، إذ (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)، (والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره) فما بالنا بقذفه؟ هناك سيل من الأحقاد والألفاظ يطفح بها تويتر.. لشدّ ما أخشى أن أقول إن توظيف الكراهية يراد به إشغالنا عن تنمية بلادنا، وهو شديد الشبه بما يفعله الإخوان المجرمون ضد مصر! والمحزن أنه توجد قابلية لدى بعض المواطنين لتلقي ثقافة الكراهية والتماهي معها، وهي حقيقة مؤلمة على الرغم من أن آباءنا وأجدادنا اعتادوا على العيش بسلام ووئام في هذا الوطن، قبل دخول أيديولوجيات شيطنة الآخر المختلف فكراً أو مذهباً، على أيدي الإخوان الشياطين الذين أدلجوا مناهجنا، فأنتجوا ثماراً مسمومة لتدمير أمننا، فمنهم من حمل السلاح كابن لادن وحزبه الإرهابي، ومنهم من تعهد هدم بنائناالاجتماعي بسلاح الكراهية وجرّنا إلى معارك جانبية تقتات على قضايا لا أهمية لها بالنظر لما ينتظره الوطن منا. المشكلة أن بعض المقيمين في بلادنا يعطون أنفسهم حق التدخل في قضايانا، لا لشيء سوى أنهم يسرون بخلافاتنا. إنه لأمر مضحك ومبكٍ في آن، إذ كيف يسبب خروج رجل مع زوجته على قناة فضائية وهي في كامل احتشامها كل هذا الصخب، والعنف والتحريض؟ الذي خاض فيه كثيرون، يتساءل العقلاء هل ما حدث من الشيخ أحمد الغامدي يستدعي كل هذا الضجيج؟ ومن ذا الذي يعطي نفسه حق الإدانة وحق اجتراح العقاب؟ ثم هل أمن بعض الناعقين من عدم تلبسهم بما هو أكثر من ظهور الغامدي مع زوجته على تلك الهيئة التي أقضت مضاجعهم؟ ألم يجالس ذلك الذي اتهم الزوجة بالتبرج نساء خلجيات بكامل تبرجهن في حفل نسائي عرض على القنوات الفضائية وكان ملاصقاً لإحداهن كتفاً بكتف، وليس ثمة رجل سواه؟ بينما يستعدي على من ظهر مع زوجته المحتشمة، في خلط عجيب بين التبرج والسفور فالتبرج (أعم من السفور، الخاص بكشف الغطاء عن الوجه، وأما التبرج: فكشف المرأة وإظهارها شيئاً من بدنها أو زينتها المكتسبة (قال مقاتل بن حيان في تفسيره للتبرج، التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشدّه فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها، فذلك هو تبرج الجاهلية الذي نهى الله عز وجل النساء المؤمنات أن يفعلنه..)، (وقال سعيد عن قتادة: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" يعني إذا خرجتن من بيوتكن، قال: كانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهاهن الله عن ذلك، وقيل هو إظهار المحاسن للرجال)! فهل كانت زوجة الشيخ الغامدي على تلك الهيئة؟ وتأكيدًا لاختلاف السفور عن التبرج، نقول منطقياً كل تبرج سفور، وليس كل سفور تبرج! فعن أي تبرج يتحدث هؤلاء المرجفون؟ لم يعد كشف الوجه في بلادنا غريبًا، فكثير من سيدات الأعمال وبعض العاملات في الشأن الرسمي وفي وسائل الإعلام وفي الشركات والمستشفيات وفي الأسواق، بل وفي السفر للخارج، يكشفن عن وجوههن، فلماذا يُصمت عن هؤلاء، وواحدة فقط أثارت مشاعر التشدد المتورمة. لا يخفى أن النية مبيتة لمحاسبة الرجل على مواقف سابقة، تخالف الفقه المتشدد الذي يريد أن يحبس المرأة في مقولات أحادية صارمة تخالف ما أجمعت عليه أكثر المذاهب. كل عتبنا على من كنا نظنهم عقلاء، لكنهم انساقوا تحت وطأة التحريض، والعنف اللفظي واللغة القاتلة، الذين تحتم عليهم مكانتهم الدينية نصح المندفعين الذين يتباكون على هدم صروح الإسلام، بخروج امرأة محتشمة على قناة فضائية برفقة زوجها، فيالها من كارثة تحيق بديننا، ينبغي أن نعد لها كل ما استطعنا من قوة! ألم يكن جديراً بهم من أجل الوطن أن يطفئوا النار التي أشعلها أولئك المرجفون؟ لأن الأعداء يتربصون بنا، ونحن نتصارع من أجل قضايا لا تقدم ولا تؤخر في مسيرتنا الوطنية التي يجب أن تكون هي التي تعلو ولا يعلى عليها. لقد آن الأوان لكي يؤخذ على أيدي المحرضين الذين يقودون جبهات الصراع،، ينبغي مراقبة ما يكتبه مثيرو الفتنة على تويتر، فما يفعلونه ليس حرية رأي بل وباء ومرض عضال ينبغي استئصاله، بالأخذ على أيدي صانعيه، لكي يتعض الصغار والمتسلقون. لقد فاض الكيل وآن للدولة أن تضع حداً لهذا العبث. المطلوب الآن موقف أخلاقي وسياسي قوي لمواجهة ثقافة الكراهية التي يتم تصنيعها وتصديرها للبسطاء والناشئة..