في الأعوام الأخيرة كثفت الشاشات والفضائيات العربية نشاطها الدرامي في الشهر الذي يتميز بأعلى نسبة مشاهدة وبأعداد فلكية مقارنة بغيرها.. وعلى نحو غير مرتب «أو منظم» اتجه كثير من الأعمال إلى تفاصيل الصراع العربي الاسرائيلي وجذوره التاريخية، ومع توالي العروض والشهور تعمقت مشاعر الصهاينة تجاه الشهر، امتد العداء إلى قائمة من النجوم والفنانين.. والأعمال الفنية أيضا. المثير أن نقابة الفنانين الإسرائيلية وبالتعاون مع التليفزيون والإذاعة العبرية قاما أخيراً - ونظراً لغضبهم من هذه الأعمال - بتشكيل عدد مما أسموه «لجان الفحص» من أجل مراقبة كافة الأعمال الدرامية والبرامج العربية التي تعرضها الفضائيات العربية في هذا الشهر الكريم خاصة أن أغلب الأعمال الفنية التي تعرضها الشاشات العربية وتنتقد إسرائيل تعرض في الأساس في شهر رمضان الذي بات بمثابة «مهرجان» فني عربي لانتقاد تل أبيب. وتقوم هذه اللجان برصد ما في الأعمال الدرامية العربية من هجوم على إسرائيل والعمل على منع عرضها في الخارج ومهاجمة الممثلين المشتركين بها والعمل على منع ظهورهم في أي عمل أجنبي بل وحظر اشتراكهم في المهرجانات الدولية. وتوضح إذاعة صوت إسرائيل في تقرير لها أن أول الفنانين الذين تنتقدهم إسرائيل هو النجم عادل إمام الذي تصاعدت ضده الانتقادات بعد فيلمه الأخير «السفارة في العمارة» والذي حمل العديد من الجوانب السلبية لإسرائيل حيث يظهر فيه أمام كمواطن مصري يدعى شريف خيري يعمل في إحدى دول الخليج ثم يعود إلى القاهرة فيفاجأ بان السفارة الإسرائيلية باتت بجانبه. ويشير التقرير إلى أن الفيلم يحمل العديد من الانتقادات لإسرائيل بداية من إظهار السفير الإسرائيلي في صورة الشخص البخيل الذي يأتي إلى «خيري» من أجل الاحتفال بعيد ميلاده، وهو الاحتفال الذي يخرج منه السفير بعد أن يغضب المدعوون من حضوره غير أنه ومع خروجه يأخذ معه الكعكة التي كان قد أحضرها من أجل الاحتفال بعيد الميلاد، الأمر الذي اعتبره التقرير بمثابة هجوم من ممثلي الفيلم على إسرائيل حيث تظهرهم وكأنهم بخلاء للغاية. بجانب صورة السيدة التي مارس معها خيري الحب بعد أن دفعها الإسرائيليون تجاهه بعد أن وصلت العلاقات بينه وبين أعضاء السفارة الإسرائيلية للمحاكم، الأمر الذي رأى التقرير أنه يدل على أن الإسرائيليين لا يفهمون إلا لغة الجنس والإيقاع بمن يختلفون معهم في خيوطه. غير ذلك من المشاهد التي رأى الصهاينة أنها تحمل إساءة إلى إسرائيل مثل المظاهرات الحاشدة ضد الوجود الإسرائيلي في القاهرة والرغبة الشعبية في طرد أعضاء السلك الدبلوماسي الإسرائيلي من القاهرة أو من كافة العواصم العربية الأخرى. اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتقد فيها إسرائيل الفنان عادل إمام بل سبقتها العديد من الانتقادات حيث تعرض إمام لانتقادات واضحة عقب تمثيله للمسلسل العربي دموع في عيون وقحة، وهو المسلسل الذي شارك إمام فيه الفنان محمود الجندي والذي يحكي قصة أحد رجال الأعمال المصريين الذي نجح في خداع الموساد الإسرائيلي والحصول على جهاز استقبال خاص بهم، وهو الجهاز الذي مازال إلى الآن يعتبر أحد أبرز أجهزة الاستقبال في العالم. بالإضافة إلى انتقاد إمام ومعه الفنان المصري نور الشريف بعد تصويرهما لفيلم عمارة يعقوبيان والمنتظر عرضه في عيد الأضحى المقبل، وهو الفيلم الذي اهتمت به إسرائيل بقوة وتعرض لانتقادات واسعة وطالبت الدوائر الإسرائيلية سواء الفنية أو حتى السياسية بعدم عرضه في أي دولة أوروبية أو أمريكا، حتى إن العديد من الفنانين والقائمين على صناعة السينما الإسرائيلية زعموا أنهم سيقومون بهذه المهمة التي وصفوها بالوطنية اليهودية خاصة مع ارتباط اسم يعقوبيان بصورة سلبية بإسرائيل، وهو الارتباط الذي دفع الإعلام الصهيوني إلى الهجوم على هؤلاء الفنانين المصريين زاعمين أنهم ومن خلال هذا الفيلم يشنون حربا ضارية على إسرائيل. ويكفي ما أورده موقع صحيفة هاتسوفيه اليمينية المتطرفة أخيراً في تقرير له حيث طالب بضرورة تضييق الخناق على هؤلاء الفنانين المصريين خاصة مع كونهم وبهذا الفيلم ينتهكون معاهدة كامب ديفيد التي تمنع أي شخص من ممارسة التحريض ضد إسرائيل. وطالب موقع الصحيفة بمنع اشتراك هؤلاء الفنانين في أي من المحافل أو العروض الأجنبية في العالم خاصة مع عدائهم لإسرائيل. ولكن ما سر كل هذا الغضب الإسرائيلي من عادل إمام ونور الشريف وسمية الخشاب بسبب تجسيدهم لرواية تحمل اسم يعقوبيان؟ كتاب «الجواسيس...........قضايا تجسس في إسرائيل» الذي ألفه كل من الكاتبين الصحفيين يوسي ميلمان وآيتان هابر كشف عن سر هذا الغضب الإسرائيلي من مصر والذي يعود في الأساس إلى كون يعقوبيان المشار إليه في هذا الفيلم هو كيبورك يعقوبيان العميل الأرمني الذي كان عميلاً للمخابرات المصرية وعمل كجاسوس لها في داخل الوحدات العسكرية الإسرائيلية. بداية يوضح الكتاب أن يعقوبيان تنطوي حكايته على الكثير من المفارقات والمغامرات والأسرار أيضا نجح يعقوبيان في خداع إسرائيل وأن يسبب لها العديد من الخسائر التي مازالت تنزف جراحها إلى الآن حتى ان الأوساط الإسرائيلية تصفه بالرجل الذي آلم تل أبيب كثيراً. يوضح الكتاب أن يعقوبيان ولد في نهاية الثلاثينيات لعائلة أرمنية استقرت في مصر منذ القدم، وولد في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان يعقوبيان الابن الأصغر لهذه العائلة، وكان يقطن في العمارة التي تم فيها تصوير الفيلم الذي يحمل اسم عائلته، ورغم الثراء الذي كانت تتمتع به هذه العائلة إلا أن يعقوبيان لم يكن ناجحاً في عمله، غير أنه كان يتميز بإتقانه لكثير من اللغات مثل الإيطالية والتركية والإنجليزية بل والعبرية التي عرفها عن طريق بعض من أصدقائه اليهود ممن كان يلعب معهم في طفولته. وكان يعقوبيان وسيماً للغاية «وزير نساء» متعدد العلاقات، الأمر الذي أوقعه في العديد من المشاكل خاصة مع تردده ومنذ صباه على الملاهي الليلية ومصادقته للعديد من الراقصات. وبجانب ذلك كان أيضاً شغوفا بالتصوير وافتتح استديو صغيرا للتصوير غير أنه لم يوفق في عمله خاصة في ظل وجود العديد من الاستوديوهات المنتشرة للتصوير في أكثر من مكان، الأمر الذي دفعه للتوجه إلى عالم الجريمة والنصب خاصة أنه تعرف على العديد من قيادات هذا العالم مع تردده على الملاهي الليلية. وساعده على ذلك إتقانه للغات الأجنبية، وهو ما أدى إلى توسع نشاطه في النصب ليشمل العرب والأجانب في وقت واحد. غير أن الشرطة المصرية نجحت في القبض عليه في إحدى المرات عام 1961 وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بعد أن احتال على أحد التجار الأجانب في مصر وسرق أمواله وتم نقله إلى السجن الحربي حيث كان يوضع المسجونون الأجانب. وفي السجن لاحظ الضباط وسامة يعقوبيان وحديثه باللغات الأجنبية بطلاقة، وهو ما أدى إلى لفت الأنظار إليه خاصة وأنه وعلى الرغم من ممارسته لعمليات النصب كان يحب مصر ويمتلك شعورا وطنيا مرهفا للغاية. وقام أحد الملازمين له في السجن المصري بالحديث إليه عن الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط بين إسرائيل والعالم العربي. يتبع (ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة)