هل أنتهت لحظات الانتشاء بالنسبة للدراما التاريخية السورية وبدأت لحظات التفكر والتحليل؟. هذا ما بدا واضحا بالنسبة للمشاهدين الذين لم تعد تبهرهم مناظر العمائم وقعقعة السيوف وصهيل الخيول. لم تحظى الأعمال التاريخية في رمضان هذا العام وحتى الآن بأي صدى يذكر ربما باستثناء مسلسل ملوك الطوائف الذي حظي ببعض المتابعة إلا أنها تظل ضئيلة بمقارنتها بالأعمال التاريخية في السابق. بالنسبة للدراما من الواضح أن هناك مراحل واضحة جدا تحدد مساراً والمدقق أكثر يمكن أن يعرف أن مرحلة الدراما التاريخية بدأت بالضعف. مرحلة الدراما التاريخية بدأت تقريبا بعد مرحلة الأعمال الفنتازية غير المرتبطة بتاريخ ومكان معين والتي أبتكرها المخرج نجدت أنزور في مسلسله الشهير الجوارح الذي حقق نجاحاً ساحقاً جدا وانطلقت بعد ذلك فورة الاعمال الفنتازية التي قدمها أنزور وغيره مثل مسلسل الفوارس والبواسل وغيرها من الأعمال إلا أنها مع مرور الوقت أصبحت مملة ومكرورة ونفر منها الناس وهذا ما هيئ المناخ لانطلاق مرحلة الأعمال التاريخية الواقعية التي يعرفها الناس وتمثل جزءاً من ماضيهم المهم. قدم السوريون العديد من الأعمال التاريخية الناجحة وكان ذلك يرجع في الحقيقية إلى اهتمامهم الكبير ببيئة هذه الأعمال التي حاولوا جاهدين أن يجعلوها مقاربة للمواقع الحقيقية وكان هناك تدقيق كبير في اللغة واهتمام واضح بالمكياج وكل هذه أشياء جعلتهم يكسبون المشاهدين على الرغم من بعض المشاكل في النصوص والتقنية الفنية إلا أنها كانت مقبولة ومحبوبة إذا ماقورنت بالاعمال التاريخية المصرية البائسة التي نفرت المشاهدين من رؤية الأعمال التاريخية. نقطة التوهج بالنسبة للأعمال التاريخية كانت المسلسل المعروف (الزير سالم) الذي خلب العقول وحظي بمتابعة عربية كثيفة وكان المسلسل يستحق فعلا ذلك ويعد من أروع الاعمال في تاريخ الدراما العربية عبر تمثيل رائع أجاده فنانون مثل خالد تاجا ورفيق علي أحمد وسلوم حداد ومخرج بارع ودقيق مثل المخرج حاتم علي. وانهمرت بعد ذلك الأعمال التاريخية التي تحاكي هذه النوعية من هذه الأعمال وقدم العديد منها. نجح بعضها وأخفق الكثير ولازال حاتم علي يقدم سلسلة من المسلسلا ت التاريخية الرائعة ولكن الكثرة الرديئة لا شك أنها ستشكل أنطباعاً عاماً سيئاً لدى الناس وهذا سيشمل أعمال حاتم علي نفسه. ففي الدراما ينطبق المثل الشعبي القائل : الخير يخص والشر يعم. وكان واضحا هذا العام مدى الملل الذي أصاب الناس من الاعمال التاريخية فمن جهة هم تشبعوا ومن جهة أخرى أصبحوا يبحثون عن الأفكار الجديدة. إذا أيقنا فعلا أن الأعمال التاريخية تحتضر فما هو الجديد بحق؟!. من المخرج العبقري الذي سيدشن مرحلة درامية جديدة. سيكون جواب هذا السؤال صعباً ولكن أعتقد أن هناك عودة قوية للخط الدرامي الأول المتمثل بالحياة اليومية ولكن عبر دقة وإتقان أكثر. كل هذا الكلام لا يعني فشل السوريين بل على العكس ففي الوقت الذين يبتكرون فيه يبقى الكثيرون في عداد المتفرجين.