ليس المستغرب أن يصدُر من أعضاءٍ في مجلس الشورى نقد حادّ للخطط الخمسية للدولة، التي تُعدُها، وتشرف عليها وزارة الاقتصاد والتخطيط! ولكن المستغرب بالفعل، أن يظل القائمون على إعدادها، ولعقودٍ من الزمن، بمنأى عن رقابة ومحاسبة المجلس، بموجب نظامه، ومهامه! أعضاء مجلس الشورى لم يأتوا بجديد، حين تحدثوا عن مأزق هذه الخطط، وأَنَّ المتحقق من برامجها ومشاريعها، منذ انطلاقتها عام 1389ه (1970م) أقل بنسبٍ عاليةٍ من المستهدف! خاصَّة بما يتعلق بقضايا رئيسة، مثل: التنمية البشرية والصحة والإسكان والبطالة! رغم الرخاء الاقتصادي الذي كان من المُفترض أن يُسهم في معالجة الكثير من هذه القضايا التنموية والمعيشية! إضافةً، وهذا أمرٌ في غاية الأهمية، في عدم التزام الأجهزة الحكومية أساساً، بتحقيق أهداف هذه الخطط! كذلك لم يأتِ أعضاء المجلس بجديد حين تحدثوا عن ضعف مؤشرات قياس المتحقق من هذه الخطط! عبر بوابة تقارير المتابعة، والفترة الزمنية الطويلة نسبياً التي تظل فيها حبيسة المجلس الاقتصادي الأعلى، ومجلس الوزراء، ولجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى، بما يعني تقادم معلوماتها، وعدم سلامة البناء عليها أو الأخذ بتوصياتها! بالمناسبة، تهكَّم أحد أعضاء المجلس، ومعه حقٌ في ذلك، على إدراج ارتفاع عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي كأحد إنجازات خطط التنمية؛ وهو لا يعدو أن يكون إخفاقاً.. وأيَّما إخفاق! في خفض نِسب الفقراء والمحتاجين، على مدى عقودٍ من الزمن! على كلِ حالٍ، حين تكون منهجية التخطيط تفتقر إلى الديناميكية، والتفاعل، مع المستجدات العالمية.. وحين تكون الكليشة المُستدامة لوثائق خطط وزارة الاقتصاد والتخطيط، تتمحور حول (تحسين مستوى معيشة المواطنين، والارتقاء بنوعية حياتهم، والعناية بالفئات المُحتاجة، وتقليص معدلات البطالة إلى أدنى درجة ممكنة! وتنمية القوى البشرية الوطنية، ورفع كفاءتها، وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة، وتنويع مصادر الدخل والإنتاج، وتعزيز إسهام القطاع الخاص في عمليات التنمية ... الخ) ثمَّ لا تكون النتائج والمُخرجات، بقدر المؤمل والمنشود منها، تنموياً، ومعيشياً! فهذا يعني بطبيعة الحال، أنَّ بوصلة التخطيط قد ضلت طريقها، وتسير على غير هدى! وعلى غير شفافية، بما يخص الأهداف والسياسات، ومعالجة القضايا والمعوقات! عليه، ربما قد آن الأوان لإعادة النظر بالكلية في مشاريع الخطط الخمسية، وتوفير تكاليف إعدادها، وإصدارها! والاعتماد بصفة رئيسة على خطة سنوية، عبر بوابة الميزانية العامة للدولة، على أن يتم إعادة هيكلة منهجيتها، وفق نظام البرامج بدلاً من نظام البنود المعمول به حالياً! وعبر هذه البوابة تستمر الأجهزة الحكومية في إعداد مشاريع ميزانياتها السنوية، لمناقشتها مع خبراء وزارة المالية! ومن المهم أن يُشارك أعضاءٌ من مجلس الشورى، ومن كل لجانه، في هذه المناقشات، لإعطائها، زخماً أكبر، ورعايةً أشمل، واهتماماً أعلى! على افتراض أنَّ المجلس الأكثر معرفة واطلاعاً بهموم واحتياجات المواطنين ومؤسسات الدولة! هذا التَّوجه، في تقديري، سوف يُتيح إنجاز المهام، والبرامج، والمشاريع بصورةٍ أفضل، إذا صلُحت النوايا، وحضرتِ الإرادة، وتوفرت القيادات الفاعلة الأمينة! مسك الختام التعارض أو ضعف التنسيق، وحتى انعدامه، بين العديد من الخطط التنموية والاستراتيجيات الوطنية! إشكالية عمومية، وخللٌ بيِّن في ثقافة وفلسفة وإدارة التخطيط، تُضعف بدرجة كبيرة نسبياً من نتائجه ومُخرجاته! وتزداد المسألة تعقيداً بعدم الالتزام بالجداول الزمنية، للتنفيذ والإنجاز، حينها .. تخضع برامج الخطط والاستراتيجيات للاختزال، أو ترحيل بعضٍ منها إلى سنوات قادمة، ما يفقدها المصداقية، والفاعلية، والحيوية، وينعكس ذلك سلباً على مؤشرات الإنجاز، كما تتسع الهوة بين البرامج والمشاريع المستهدفة، وتلك المتحققة! هذه هي حالنا مع التخطيط! والخُطط المدروسة!! شَذْرَةٌ: الفشلُ الحقيقي.. هو الفشلُ الذي لم نتعلمْ مِنْهُ!