المتتبع المنصف لمسيرة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية كإحدى القوى الفاعلة في المحافل الإقليمية والدولية يستطيع الحكم عليها بالثبات والهدوء وعمق الرؤية في استقراء الأحداث واستشراف المستقبل والفاعلية في مواجهة التحديات المحدقة مهما بلغت حدتها وزادت خطورتها، والراصد للنهج السعودي المتميز في علاقاته الدولية يجزم بأن هذا النهج يتمتع بثوابت لاتتز عزع ولاتتغير مع مرور الزمن منذ أرسى مؤسس وموحد الدولة السعودية الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في مدرسته هذه القواعد الراسخة والأسس المتينة، وتشرب أنجاله من بعده وحافظوا على هذا النهج القويم، فسياسة عدم التدخل بالشؤون الداخلية للآخرين، واحترام سيادة الدول واستقلالها، ودعم ومناصرة القضايا العربية والإسلامية، والحرص على إصلاح ذات البين واحتواء الخلافات ولم الشمل، وتجنب النزاعات، وتبني مبادرات السلام، ودعم المنظمات الدولية والإنسانية ومؤسسات التنمية، ومساعدة المعوزين والمنكوبين، والحرص على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم، ومكافحة الإرهاب، ودعم الشرعية الدولية، وغيرها كلها سمات فريدة تتميز بها الدبلوماسية السعودية الهادئة والرزينة والحكيمة، وتجسد كتاباً مفتوحاً للسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية. وباستعراض جملة من المواقف السعودية إزاء تحرير أفغانستان من المد الشيوعي مثلا، والتضامن مع الشعب اللبناني في توقيع اتفاق الطائف، وتحرير الكويت من الغزو العراقي وتجنيب المنطقة الخليجية الكثير من الكوارث والأزمات المزمنة، وتعزيز علاقات حسن الجوار، وقبلها كانت حملة التضامن الإسلامي، ودعم ومناصرة القضية الفلسطينية مادياً وسياسياً (مبادرة الملك فهد للسلام، ومبادرة الأمير- آنذاك والملك حالياً - عبدالله بقمة بيروت أو ما يسمى بإعلان بيروت 2002م) وحل الخلافات العربية - الغربية كقضية لوكربي، والقيام بالعديد من الرحلات المكوكية والزيارات والجولات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والسياسية مع الدول الشقيقة والصديقة، والسلوك الحضاري الراقي والمتميز بالعفو عند المقدرة والتسامي عن الأخطاء والتعالي عن الإساءات أو حب الانتقام، والاهتمام بالإنسان أيا كانت جنسيته (عمليات فصل التوائم السامية بمستشفيات المملكة)، وغيرها كثير يتعذر حصره في هذا المقام، كل هذه الشواهد تبرهن - وبما لايدع مجالاً للشك - على مصداقية ونبل وثبات المواقف السعودية الراسخة، بل إن المملكة العربية السعودية تستثمر علاقاتها الإقليمية والدولية وتوظف وزنها الاقتصادي وثقلها السياسي في جميع المنتديات والمحافل الدولية - وعلى كافة الأصعدة - لخدمة القضايا العربية والإسلامية والإنسانية العادلة، وبجانب ذلك كله، فالدبلوماسية السعودية تتعامل مع متغيرات العصر وإيقاعاته المتسارعة وأحداثه المستجدة على الساحة بحكمة وعقلانية، وفطنة وذكاء وفقاً لمقتضيات تلك الأحوال، ومتطلبات المواقف بعيداً عن الانفعال والتسرع والاندفاع أو مجرد ردود الأفعال، ففرضت هيبتها وعززت مواقعها وكوفئت باحترام الآخرين، واحتلت بذلك موقعا متقدما ومركزا مرموقا على الساحة العربية والإسلامية والدولية يؤخذ في الحسبان لدى مخططي السياسات وصناع القرار، وهاهي تسعى بخطى حثيثة لإصلاح الجامعة العربية، وتحسين العلاقات العربية - العربية من جهة، والعربية - الغربية من جهة أخرى، وتحارب الإرهاب، وتسعى لتقديم الإسلام بأبهى صوره وتصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة حوله، وتتبنى مناهج التحديث وبرامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وغيرها وفق خطى مدروسة وثابتة، تتناغم مع هويتها العربية والإسلامية، وتلبي احتياجاتها ومصالح شعبها وأمتها، وبما يكمل ويدعم ويحقق المسيرة التنموية الشاملة للمملكة العربية السعودية. ٭ وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد للتخطيط والتطوير الإداري [email protected]