تبذل وزارة التجارة جهوداً كبيرة، ولها دور مهم وبارز في مكافحة السلع المخالفة، سواءً كانت سلعا مقلدة أو مغشوشة، إلاّ أنّ تلك الجهود الحثيثة من قبل الوزارة لن تكتمل إلاّ عندما تكون هناك غرامات مفروضة توازي وتتناسب مع حجم وواقع المخالفة، من أجل الاسهام في ردع التجار المخالفين ومنع التلاعب بسلعهم في الأسواق، حيث تشكل الغرامة جانباً مهماً في عملية محاربة المنتجات والسلع المخالفة. وبالنظر إلى واقع العقوبات تجاه ملاك السلع المخالفة فإنها تعتبر ضعيفة، وبالتالي فإنها لا تصل لمستوى المخالفة نفسها، في ظل ما يشهده واقع السوق من جشع التجار وارتفاع قيمة سلعهم، وهو ما ننتظره من وزارة التجارة بأن تعيد النظر في أنظمة غراماتها تجاه السلع المخالفة، وترفع سقف العقوبات الحالية، من أجل أن يكون مستوى المخالفة المرتكبة مناسبا مع حجم العقوبة؛ مما سُيسهم بشكل فاعل في تعزيز دور الوزارة البارز في مكافحة الغش التجاري، إذ انّ انتشار الغش التجاري بأشكاله إنما كان بسبب ضعف الرقابة والتطبيق المتراخي للأنظمة، ويلزم أن تكون العقوبات قوية بما يكفي بحيث تردع كل من تحدثه نفسه بمخالفة الأنظمة، أما إذا كانت متواضعة ولا تشكل حتى نسبة بسيطة مما سيحققه المخالف من مكاسب من خلال المخالفة، فإنّ ذلك سيغريه دون شك على أخذ المخاطرة. السلع المخالفة في البداية أوضح "د. عبدالرحمن محمد السلطان" -أكاديمي وكاتب اقتصادي- أننا نعاني من تزايد كبير في نسب السلع المقلدة والرديئة بأسواقنا، وقد كشفت دراسة أجرتها مصلحة الجمارك العام الماضي أنّ (80%) من المنتجات الكهربائية في السوق السعودي غير مطابقة للمواصفات القياسية السعودية؛ مما يجعلها قنابل موقوتة في منازلنا تهدد حياة الجميع، وتتسبب في جزء كبير من حوادث الماس الكهربائي والحرائق، مؤكّداً أنّ تردي الوضع في سوق السلع المستوردة في السعودية وصل حداً لم تعد السلع المقلدة المستوردة من الصين أو تايوان تمثل المشكلة الأخطر، فعلى الأقل في هذه الحالة جهة الاستيراد معروفة، وبالتالي يفترض أن المستهلك قادر على تحديد نوعية ومتانة السلعة التي يشتريها، لافتاً إلى أنّ المشكلة الأخطر هي انتشار السلع المقلدة التي يتم تزوير بلد منشئها من قبل المستورد، الأمر الذي يمثل تضليلاً وخداعاً للمستهلك، وفوق ذلك يدفع ثمناً باهظاً لها قد يوازي في بعض الأحيان سعر السلعة الأصلية. وأضاف إنّه عندما تكون ممارسة الغش من الوكيل التجاري نفسه فيجب أن تسحب الوكالة التجارية منه كجزء من العقوبات التي تفرض عليه، فهناك دلائل على أنّ الوكلاء الحصرين أنفسهم يقومون بعمليات الغش التجاري، مستغلين ثقة المشترين بأنّهم وكالة تجارية، فيبيعون السلع المقلدة بسعر السلع الأصلية ويحققون أرباحاً هائلة من هذا الاحتيال، وأحياناً تجد من اشترى سلعة معينة من وكيلها الحصري في المملكة وعند حاجته لصيانتها في الخارج يفاجأ بأنّها ليست أصلية، رغم أنّه اشتراها من وكيل الشركة المصنعة بالمملكة، بالإضافة إلى ضرورة رفع عقوبات الغش التجاري واستعادة كامل المكاسب التي حققها المدان، فمن خلال تقدير الفترة الزمنية التي مارس خلالها هذا الاحتيال ومتوسط الكميات التي استوردها سنويا وسعر البيع يمكن بسهولة وضع تقدير لحجم الأرباح التي حققها من هذا الغش يجب استعادتها منه بالكامل إضافة إلى أي غرامة تفرض عليه كعقوبة على هذه الممارسة، فغرامة الغش التجاري، حتى وإن رفعت قيمتها، لن تكون بحد ذاتها رادعاً كافياً فهي قد لا تعادل إلا جزءاً بسيطاً من الأرباح التي حققها المحتال إن كان مارس هذا الغش لفترة طويلة قبل كشفه. وأشار إلى أنّه يجب مراجعة الإجراءات الجمركية وتطوير مستوى أداء مصلحة الجمارك، فكل هذه البضائع المغشوشة لا تسقط علينا من السماء وإنما تدخل بطريقة نظامية من خلال المنافذ الجمركية الرسمية، ما يشير إلى احتمالية وجود ممارسات فاسدة في هذه المنافذ أو عدم أهلية وتدن في مستوى أداء من يعملون فيها سهل معه ادخال السلع المغشوشة والمقلدة، كما أنّ الكثير ممن يذهبون للاستيراد من الصين يفاجؤون بأنّ الكثير ممن يقومون بتصدير السلع المقلدة والرديئة عمالة أجنبية تعمل بالمملكة أو كانت تعمل في المملكة، ما يؤكد أن للتستر التجاري دورا رئيسا في تفشي الغش التجاري في أسواقنا، بالتالي هناك حاجة وضرورة ملحة لتغليظ عقوبات التستر التجاري وبذل جهود أكبر لكشف وملاحقة المتورطين فيه، وقد يكون من بين أهم وأنجع الوسائل التي ستساعد على ذلك منح مكافآت مجزية جدا للمبلغين عن عمليات التستر بحيث ترتبط بحجم نشاط المنشأة المبلغ عنها مع ضمان عدم كشف أسمائهم وتوفير الحماية لهم. مخالفات عادلة ونوّه "فضل بن سعد البوعينين" -خبير اقتصادي- بأنّ وزارة التجارة أثبتت كفاءتها في تتبعها للمنتجات المخالفة ومكافحتها بأسلوب لم يكن معروفاً من قبل والذي يعد أمراً لافتاً، موضحاً أنّ للوزارة إرثا ثقيلا تحاول الخروج منه، والتعامل مع معايير الرقابة الجديدة التي باتت حديث المجتمع، ورغم ذلك إلاّ أنّ ما تقدمه وزارة التجارة حتى الآن يفوق التوقعات وقدراتها البشرية، إلاّ أنّ عملها المكثف اختصر الوقت وزاد من حجم العمل وكفاءته، لافتاً إلى أنّه فيما يتعلق بالمخالفات فهي تعتمد على مواد قانونية محددة لا يمكن تجاوزها، منوهاً بأنّ أي تغليظ للعقوبة يحتاج إلى معالجة الجانب التشريعي المحدد الرئيس لنوعية وحجم العقوبة، وبالتالي فنحن نتحدث عن الجانب التشريعي لا التنفيذي، ومن هنا يجب التفريق بينهما وتحديد المسؤوليات. وأضاف أنّ المخالفات الحالية ربما تكون عادلة في غالبيتها، وما أضعفها خلال السنوات الماضية هو عدم تفعيلها وتنفيذها، أما الآن فمع التنفيذ أصبحت الكثير من مواد العقوبات مؤثرة بشكل لافت، مشدداً على أننا بحاجة إلى مراجعة التشريعات الموجودة حالياً وبما يتوافق مع متطلبات العصر ومتغيرات السوق، وهذا أمر مرتبط بالحكومة وجهات تشريعية أخرى، مؤكّداً أنّه يفترض أن تبادر الحكومة في مراجعة تشريعاتها القديمة وتحديثها بما بتوافق مع الاحتياجات، لافتاً إلى أنّ الموافقة بين العقوبة والجريمة أمر غاية في الأهمية، بل إنّ تغليظ العقوبة بمكن أن يكون العلاج الأهم للمخالفات التي تحدث في الأسواق، خاصةً المخالفات المضرة بصحة الإنسان وسلامة البيئة. تطورت أساليب الكسب غير المشروع وبقيت الأنظمة والقوانين على حالها من سنين غش تجاري وبيّن "سعيد بن أحمد العمري" -محام ومستشار قانوني- أنّ الغش التجاري ظاهرة اجتاحت العالم بعد التطور الكبير في المجال الصناعي وباتت تهدد كل الأقطار في ظل النمو السكاني والاستهلاك الكبير للمنتجات، ولا بد أن يواكب النظر ذلك التطور بفرض عقوبات مالية كبيرة مقرونة بعقوبات مقيدة للحرية، موضحاً أنّ نظام مكافحة الغش التجاري صدر في العام 1404ه ألغى بموجبه نظام العام 1381ه، وصدرت لائحته التنفيذية في العام 1405ه، ونظام مكافحة الغش التجاري الساري المفعول صادر بالمرسوم الملكي رقم م/19 وتاريخ 23-4-1429ه، وصدرت لائحته التنفيذية في العام 1431ه لكي تواكب ما استجد من طرق الغش التجاري، لافتاً إلى أنّ النظم في تطور مستمر ويتم تعديلها كلما دعت الحاجة لذلك وأن العقوبات في تصاعد، مشدداً على أننا أصبحنا أمام حاجة ماسة لتعديل غرامات وزارة التجارة في ظل ارتفاع السلع المخالفة. وقال إنّ من الغرامات الواردة بنظام مكافحة الغش التجاري السابق كان يعاقب بغرامة من (5000-100.000) ريال، أو بإغلاق المحل مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على (90) يوماً، أو بهما معاً، ورفع النظام الجديد العقوبة المالية إلى (1000.000) ريال، أو بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بهما معاً، لكل من خدع أو شرع في أن يخدع، أو غش أو شرع في أن يغش، بأية طريقة من الطرق في ذاتية السلعة، أو طبيعتها، أو جنسها، أو نوعها، أو عناصرها، أو صفاتها الجوهرية، أو مصدرها، أو قدرها، سواءً في الوزن، أو الكيل، أو المقاس، أو العدد، أو الطاقة، أو العيار، أو استعمال طرق أو وسائل من شأنها جعل ذلك غير صحيح، وصفها، أو الإعلان عنها، أو عرضها بأسلوب يحوي بيانات كاذبة، أو خادعة. وأضاف أنّ هنالك العديد من اللوائح المرتبطة التي تصدر من وزارة التجارة والصناعة تساهم في رفع المعاناة عن المتضررين من الأعمال التجارية، ومن تلك اللوائح لائحة استدعاء المركبات وملحقاتها وقطع غيارها، ولائحة أحكام تقديم الصيانة، وتوفير قطع الغيار، وضمان جودة المصنع من نظام الوكالات التجارية، لافتاً إلى أنّ هناك جهات لا بد من أن تضطلع بدورها لمكافحة الغش، ومنها الغرفة التجارية التي أُنشئت لرعاية مصالح القطاع الخاص، عبر أهداف تصب في مصلحتهم، مشدداً على أهمية دور الغرفة التجارية في مراقبة وتوعية التجار وتبصيرهم بطرق الغش على المنتجات الواردة من الخارج على وجه الخصوص. وأشار إلى أنّ جمعية حماية المستهلك تقف في صف المستهلك لمنتجات القطاع الخاص، وتوفر خدمات كبيرة بغرض مكافحة الغش التجاري، وتتلقى شكاوى المستهلك المتعلقة بالاحتيال، والغش، والتدليس، والتلاعب في السلع، أو الخدمات، والمغالاة في أسعارهما، والتضليل عن طريق الإعلانات في الصحف وغيرها، وتعمل بمساندة جهود الجهات الحكومية المعنية لحماية المستهلك، وإبلاغ تلك الجهات بكل ما يمس حقوق المستهلك ومصالحه، وإرشاد المستهلكين إلى طرق الاستهلاك الأفضل. قد لا يتم القبض على المخالف إلاّ بعد جني أرباح من مخالفته ضعف العقوبات زاد من الجرأة على تكرار المخالفات معاقبة المخالف بصرامة تجعله عبرة لغيره د. عبدالرحمن السلطان فضل البوعينين سعيد العُمري