حظي التعليم العام في المملكة العربية السعودية باهتمام القيادة السياسية في وطننا الغالي منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-؛فسخرت له كل الإمكانات المالية والمادية والبشرية حتى عم التعليم كل أرجاء وطننا الحبيب، وفي عهد الإصلاح والتطوير عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- نال التعليم العام دعماً غير مسبوق تمثل في مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام وما تمخض عنه من شركات ومشروعات وبرامج وتوج ذلك بدعم سخي من خادم الحرمين الشريفين بمبلغ ثمانين ملياراً وبتسليم دفة قيادة التعليم لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل -وفقه الله وسدد خطاه-. ولعل المتأمل في جهود إصلاح وتطوير التعليم يجد أنها لم تحقق بعد تطلعات أبناء هذه البلاد قادةً ومسؤولين ومعلمين وطلاباً ومواطنين؛ وربما يكون أهم الأسباب غياب استراتيجية (الحصان والعربة)؛ إذ لا يزال الحصان يقبع خلف العربة محبطاً أو عاجزاً أو متكاسلاً، ولا سبيل إلى تمكينه من التحول للمقدمة إلا بإحداث تغيير جذري في نظام التعليم لتتوفر فيه الخصائص ذاتها التي جعلت تعليم بلدان أخرى يتفوق على ما سواه، وهي ذاتها التي جعلت معلميه يقودون التغيير ويواجهون تحديات التطوير، فصاروا محور التعليم وصار طلابهم محور التعلم، ومما يدعو إلى كثير من التفاؤل ويعزز الثقة هو أن مقومات هذا النظام المأمول متوفرة في بلادنا، فبلادنا غنية بمواردها المالية والبشرية والحضارية، بل إنها تتفوق في هذه على بلدان تصدرت العالم في التعليم. ونظام التعليم المأمول هو النظام الذي تتوفر فيه الخصائص التالية:نظام يكون فيه التعليم العالي والعام والتقني تحت مظلة واحدة، نظام يفرض على كليات التربية اختيار طلابها من أفضل خريجي الثانوية العامة، نظام يمكن التعليم العام من جذب أفضل خريجي الجامعات، نظام يعطي المعلمين والقيادات المدرسية والتعليمية أعلى الرواتب والمزايا والمكافآت، نظام يربط بين مستوى الأداء ومقدار الزيادة السنوية في الراتب، نظام يمنح التربويين فرصة الترقي أسوةً بغيرهم من المهنيين، نظام يمكن إدارات التربية والتعليم من الاستقلال الإداري والمالي في ضوء مساءلة ومحاسبية وشفافية عالية، نظام يمنح المدارس الاستقلالية الإدارية والمالية والتعليمية المضبوطة بالسياسات والمعايير الوطنية والدولية، نظام يمكن قائد المدرسة من المشاركة في تعيين المعلمين ومكافأة المحسنين ومحاسبة المقصرين وتسريح المسيئين، نظام يلزم المعلمين برخصة مهنية تجدد كل خمس سنوات، نظام يجعل انتقال الطالب من مرحلة إلى أخرى مرهون باجتياز اختبار وطني، نظام يمنح ذوي المصالح مشاركة حقيقية في قيادة العملية التربوية والتعليمية، نظام يعتمد التقويم الخارجي المستقل أساساً للحكم على جودة أداء المدارس وتحدد نتائجه درجة استقلاليتها ومقدار ما تحصل عليه من ميزانيات وصلاحيات وتسهيلات إضافية، نظام يمنع المتاجرة بالتعليم، نظام تتحول معه المدارس إلى بيئات جذب للطلاب ومراكز لتحرير العقل وإطلاق العنان للأسئلة والبحث ومحاضن لتنشئة جيل مستعد لمواجهة تحديات المستقبل والتفاعل مع معطياته والتعايش مع الآخر وتوجهاته، نظام يضمن تخريج جيل عقيدته الاعتزاز بالدين والولاء للملك والانتماء للوطن، وأخيراً هو نظام مؤسسي يوضع ليطبق ويقوم ويطور ويستقر ويستمر. * مساعد مدير التربية والتعليم بمحافظة المجمعة